#تعهّد المحدّث الصّدوق أن لا ينقل في كتابه الشّهير “من لا يحضره الفقيه” سوى الرّوايات الّتي يُفتي بها ويحكم بصحّتها ويعتقد بحجّيّتها بينه وبين ربّه، وإنّ جميع ما ذكره فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع… وعلى هذا الأساس روى جازماً عن الصّادق “ع” القول: إنّ «أّول من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان [بن عفّان]؛ لأنّه كان إذا صلّى لم يقف النّاس على خطبته وتفرقوا، وقالوا: ما نصنع بمواعظه وهو لا يتعظ بها وقد أحدث ما أحدث، فلما رأى ذلك قدّم الخطبتين على الصلاة». [من لا يحضره الفقيه: ج1، ص433].
#ولمّا رأى محدّثو الشّيعة وفقهاؤها إنّ هذه الرّواية والإفتاء على أساسها من العجائب الّتي تخالف ضروريّات الدّين والمعلوم من المذهب؛ باعتبار إنّ حكم وجوب تقديم خطبتي الجّمعة على صلاتها من إجماعات المسلمين ولا يوجد فيها مخالف على الإطلاق… #أقول لمّا رأوا ذلك بدأوا بعمليّات التّوجيه والتّبرير للمرحوم الصّدوق كما هو المعمول به في أمثال هذه المواطن، فذهب بعضهم إلى: إنّ هناك تصحيفاً في البين؛ وإنّ أصل مفردة “الجّمعة” كانت “العيدين”؛ لما ثبت عندهم إنّ عثمان قدّم خطبتي صلاة العيد عليها لا للتّأسّي [!!]؛ وذهب آخرون إلى إنّ العيد الّذي قدّم فيه عثمان خطبتي صلاته كانت في يوم الجّمعة فلهذا عُبّر بالجّمعة [!!]… إلى غير ذلك من توجيهات تبرّعيّة لا مستند ودليل عليها. [جواهر الكلام: ج11، ص229].
#لكن يبدو: إنّ بعض هؤلاء الموجّهين لم يراجعوا كلمات المحدّث الصّدوق في بقيّة آثاره ليعرفوا إنّ الصّدوق كان يؤمن بعدم جواز تقديم خطبتي صلاة الجّمعة عليها، وإنّ المسألة ليست خطأً أو تصحيفاً كما توهّموا؛ إذ نصّ في كتابه عيون أخبار الرّضا “ع” معترضاً على خبر يتحدّث عن سبب تقديم خطبتي صلاة الجّمعة عليها قائلاً: «جاء هذا الخبر هكذا، والخطبتان في الجّمعة والعيد بعد الصّلاة؛ لأنّهما بمنزلة الرّكعتين الأخيرتين، وإنّ أوّل من قدّم الخطبتين عثمان بن عفّان؛ لأنّه لما أحدث ما أحدث…إلخ» [ج2، ص112]، وجاء نصّ هذا الكلام في كتابه العلل أيضاً [ج1، ص265].
#أقول: لعلّي لا أحتاج إلى إبراز شواهد أكثر عن سبب تحفّظي الشّديد على تراث المرحوم الصّدوق، وعن وصفي بعض مرويّاته ونقولاته بكونها المساهمة الأولى في تسطيح وعينا والّذي لا زلنا لحد الآن ندفع ثمنه خصوصاً في كتابه كمال الدّين وتمام النّعمة، لكنّي سأترك المجال للمحقّق الشّوشتري الّذي نصّ على إنّ الّذي ذكره الصّدوق آنفاً يعتبر شاهداً لمن قال بعدم وجوب صلاة الجمعة تعييناً؛ وذلك لإجماع الإماميّة العملي على تركهم لصلاة الجّمعة، وإنّ نقلهم لرواياتها لا يختلف عن نقلهم لروايات الجّهاد؛ وإلّا «فإنّ الصدوق “رحمه الله” لو كان صلّى هو أو غيره من الشيعة في عصره الجمعة لما توهّم هذا التوهّم». [الأخبار الدّخيلة: ج1، ص98].
#سنحاول أن نتوقّف مع بعض مرويّات الصّدوق ومنهجه في كتابه كمال الدّين وتمام النّعمة في القادم من المقالات إن شاء الله تعالى.