#بعد أن نجح الكاظم “ع” في تجاوز اختبارات هشام بن سالم الفقهيّة والكلاميّة ووجده بحراً لا ينزف حسب تعبيره، خرج الأخير من الاجتماع فوجد أصحابه ينتظرونه فأبلغهم بالبُشرى بعد أن كانوا حيارى ضّلالاً لا يعرفون المصير، ومن ضمن أولئك الحيارى الّذين أخبرهم هشام بنتيجة اختباراته هو: أبو بصير، الفقيه الكبير وأحد أصحاب الإجماع على فرضيّة، الأمر الّذي حدا بأبي بصير إلى الدّخول على الكاظم “ع” واختباره، فقطع بإمامته بعد استماعه لأجوبته، وهكذا انتهت شكوكه وحيرته [الكافي: ج1، ص352].
#وبودّي أن أطرح مجموعة استيضاحات عاجلة أمام هذه الفقرة بالذّات لنرى انسجامها مع السجّل الرّوائي لأبي بصير، وبغية ذلك أجد نفسي مضطراً لتقديم مقدّمة:
#الرّاجح بين المحقّقين في علم الرّجال إنّ هناك شخصيّن مقرّبين من الصّادق “ع” يكنّيان بأبي بصير، وهما: يحيى الأسدي وليث المُرادي، وقد وقع الخلاف الشّديد بينهم في كيفيّة معرفة أيّ منهما في الرّوايات المرويّة، وألّفت رسائل في هذا المضمار، وقد ذهب المحقّقون منهم إلى إنّ إطلاق كنية أبي بصير لوحدها منصرف إلى يحيى المُرادي… #وكيف ما يكون؛ وبغضّ الطّرف عن جميع هذه البحوث الرّجاليّة ومرجّحاتها، وبغضّ الطّرف أيضاً عمّا نعتقده من رأي في هذا الموضوع، سنعمد من باب إلزام الخصم إلى افتراض إنّ أبا بصير الّذي كان حيراناً وقطع بإمامة الكاظم بعد إرشادات هشام هو: ليث المُرادي ويحيى الأسدي معاً فأقول:
1ـ إذا فرضنا إنّ أبا بصير في رواية هشام هو: ليث المُرادي فلا نتعقّل حيرته وضلاله كما يدّعي هشام؛ وذلك لأنّ هناك رواية رواها أبو بصير المُرادي حسب الفرض عن الصّادق عن أبيه عن جابر الأنصاري نقل فيها حديث الّلوح المتضمّن لاسماء الأئمّة واحداً بعد واحد والّتي سنتوقّف في تحليلها مفصّلاً فيما بعد [الكافي، ج1، ص527]، وهذا يعني إنّ أبا بصير المُرادي حسب الفرض كان يعلم باسمائهم “ع” جميعاً، فكيف حصلت له الحيرة بعد رحيل إمامه الصّادق “ع” كما يُروى عن هشام؟!
2ـ إذا فرضنا إن أبا بصير في رواية هشام هو: يحيى الأسدي فلا نتعقّل حيرته وضلاله كما يدّعي هشام أيضاً؛ وذلك لأنّ هناك رواية صحيحة السّند عندهم رواها شعيب العقرقوفي ابن اخت أبي بصير الأسدي توضح تشكيك أبي بصير بإمامة الكاظم “ع” بوضوح وجلاء؛ حيث قال بعد أن نُقل له رأي فقهيّ عن الكاظم “ع” رآه متصادماً مع ما سمعه من الصّادق “ع”: “ما أظنّ صاحبنا تكامل علمه!!”. [التهذيب: ج7، ص487؛ ج10، ص25]؛ فإذا كان أبو بصير الأسدي حسب الفرض قد قطع بإمامة الكاظم “ع” وجزم بها حسب إخبار هشام فما باله يشكّك بإمامته بهذه الطّريقة الفاضحة؟!
#جميع هذا يكشف عن إنّ مضمون رواية هشام يعاني من أزمة تماسك داخلي كبير دون أن يؤثّر ذلك على أصل الحيرة الّتي كانت بين خُلّص أصحاب الصّادق بعد رحيله “ع”؛ فإنّ مراجعة بسيطة للفرق الشّيعيّة الّتي نشأت وتكوّنت في تلك الفترة وللتصنيفات الرّجاليّة لزعاماتها ومقرّبيها تكشف بوضوح عن ذلك، وهو أمرٌ يؤكّد الحقيقة الّتي طالما كرّرناها وهي: إنّ الإمامة الشّيعيّة بصيغتها وصورتها المتداولة وعرضها العريض لم يكن لها هذا الوضوح بين كبار فقهاء الاتّجاه #الرّسمي من أصحاب الصّادقين “ع”، نعم تولّدت مناشيء هذه القراءة المتأخّرة لأسباب معلومة ربّما نكشف عنها في دراسات لاحقة، والله وليّ التّوفيق.