تأمّلات في استحباب زيارة الأربعين بخصوصها!!

6 نوفمبر 2017
1768
ميثاق العسر

#ذكرنا فيما تقدّم من مقالات: فقدان الدّليل الرّوائيّ المعتبر النّاصّ على استحباب زيارة الأربعين بخصوصها، وقلنا: إنّ هذه الزّيارة لا تختلف عن زيارة يوم العاشر من صفر أو يوم السّادس من شوّال مثلاً من حيث دخولها ضمن عنوان الاستحباب العامّ الّذي يذهب إليه الفقهاء في خصوص زيارة قبر الحسين بن عليّ “ع” انسياقاً مع النّصوص […]


#ذكرنا فيما تقدّم من مقالات: فقدان الدّليل الرّوائيّ المعتبر النّاصّ على استحباب زيارة الأربعين بخصوصها، وقلنا: إنّ هذه الزّيارة لا تختلف عن زيارة يوم العاشر من صفر أو يوم السّادس من شوّال مثلاً من حيث دخولها ضمن عنوان الاستحباب العامّ الّذي يذهب إليه الفقهاء في خصوص زيارة قبر الحسين بن عليّ “ع” انسياقاً مع النّصوص الرّوائيّة؛ خلافاً لما يُشاع من هنا وهناك من وجود خصوصيّة لزيارة يوم العشرين من شهر صفر والّتي يُصطلح عليها بزيارة الأربعين؛ فإنّ إثبات الخصوصيّة لزيارة من الزّيارات في هذا المجال ينحصر في وجود دليل من سنخ الدّليل الّذي ثبّتوا عن طريقه أصل الاستحباب العامّ وهو الرّوايات، دون غيرها من العناوين السّياسيّة والطّائفيّة والعاطفيّة والمذهبيّة، وهذا من الواضحات عند محقّقي الفقهاء المعاصرين.
#إن قلت: ألا يمكن الرّكون إلى رواية صفوان بن مهران الجّمال الّتي نقلها شيخ الطّائفة الطّوسي في كتابيه التّهذيب ومصباح المتهجّد لإثبات خصوصيّة تأكيديّة لزيارة يوم الأربعين؛ حيث نصّ هناك قائلاً: «أخبرنا [1] جماعة من أصحابنا، عن أبي محمّد [وهو] هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري، قال: حدّثنا محمّد بن علي بن معمر، قال: حدّثني [شخصان: [الأوّل:] أبو الحسن عليُّ بن محمد بن مسعدة؛ [والثّاني] الحسنُ بن عليٍّ بن فضال، عن سعدان بن مسلم، عن صفوان بن مهران الجمّال، قال: قال لي مولاي الصادق “ع” في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: السلام على وليّ الله وحبيبه…إلخ». [تهذيب الأحكام: ج6، ص113؛ مصباح المتهجّد: ج، ص788].
#والجّواب: قرّرنا فيما تقدّم إنّ الاستحباب حكم شرعيّ كبقيّة الأحكام الشّرعيّة عندهم، وبالتّالي: فلا يمكن إثباته إلّا بخبر يحمل مواصفات خاصّة من حيث السّند والدّلالة، والخبر أعلاه فاقد لهذه المواصفات من حيث السّند والدّلالة، أمّا من حيث الدّلالة فالرّواية لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى المُراد من زيارة الأربعين، وادراج الطّوسي لها في أعمال العشرين من صفر لا شاهد روائيّ عليه أصلاً، ولو غضضنا الطّرف عن الإشكال الدّلالي فإنّ الرّواية ساقطة سنديّاً أيضاً؛ أمّا على مبنى المحقّقين في علم الرّجال فإنّنا إذا تمكّنا من توثيق جميع رجال أسانيدها عن طريق الحسن بن علي بن فضّال فإنّ الرّواية مبتلاة بجهالة حال راويها الثّالث وهو: محمد بن عليّ بن معمر؛ إذ لم يوثّق في كتب الرّجال، والمساعي لتوثيقه من خلال فرضيّة كونه من شيوخ الإجازة أو ما شابه ذلك غير نافعة أصلاً، وهذا من الواضحات عند هؤلاء المحقّقين.
#أمّا على المبنى المختار فإنّنا حتّى لو بنينا على وثاقة محمد بن عليّ بن معمر فإنّ هذه الرّواية ساقطة عن الاعتبار أيضاً؛ وذلك لسبب بسيط وواضح لا أدري لماذا غاب عن الأكابر من الطّوسي حتّى اليوم وهو باختصار: إنّ رواية محمد بن عليّ بن معمر عن الحسن بن عليّ بن فضّال ممتنعة ومستحيلة عادة؛ وذلك لأنّ الطّوسي يدّعي إنّ الرّاوي الثّاني لهذه الرّواية وهو هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري قد سمع هذه الرّواية من محمد بن عليّ بن معمر في سنة: “329هـ” [رجال الطّوسي: 442]، مع إنّ أحد الرّاوة الّذين يدّعي محمد بن عليّ بن معمر إنّه قد سمع هذه الرّواية مباشرة منهم قد توفّي في سنة: “221 أو 224هـ”؛ فهل يُعقل أن يكون سنّ محمد بن عليّ بن معمر أثناء روايته هذه الرّواية اليتيمة للتلعكبري هو: أكثر من مئة وعشرين سنة من دون أن يُسجّل اسمه في المعمّرين ومن دون أن يشير إلى ذلك أحد من الرّجاليين؟!
#الغريب والّلافت: إنّ عليّاً نجل ابن فضّال ـ وهو من أبرز المحدّثين والفقهاء في ذلك الوقت والمتوفّى بين سنة: “270 و280 هـ” تقريباً ـ لم يرو عن والده أصلاً كما نصّ على ذلك النّجاشي [ص258]؛ وذلك لأنّه كان يقول: “كنت أقابل والدي بكتبه وسنّي ثماني عشرة سنة، ولا أفهم إذ ذاك الرّوايات، ولا أستحلّ أن أرويها عنه”، أي إنّه كان في عمر الثّامنة عشر ولا يستحلّ أن يروي عن والده رواية واحدة، فلا أدري كم كان سنّ عليّ بن محمد بن معمر وسمع من الحسن بن عليّ بن فضّال هذه الرّواية الّتي لم يسمع بها لا الكليني الّذي كان ابن معمر من شيوخه المباشرين والّذي روى عن بعض الغرائب كالخطبة الطّالوتيّة، ولا ابن قولويه الّذي روى عن أسرة آل فضّال عدّة روايات في فضل زيارة قبر الحسين بن عليّ “ع” فكيف غابت هذه الرّواية المهمّة عنه؟!
#فتحصّل ممّا تقدّم: إنّ زيارة قبر الحسين بن عليّ “ع” في يوم العشرين من صفر والمعروفة بزيارة الأربعين لا تختلف عن زيارته “ع” في بقيّة الأيّام غير المخصوصة، ولا يوجد أيّ دليل روائي معتبر يثبت لها خصوصيّة زائدة تصلح للإفتاء بالاستحباب الفقهيّ الآكد، كما لم يثبت في نظريّة المعرفة الفقهيّة: إنّ العناوين السّياسيّة والمذهبيّة والعاطفيّة والطّائفيّة لمسيرة ما تصلح لإثبات خصوصيّة زائدة للمعنونات الرّوائيّة، نعم لا نضايق من التّمسّك بعناوين أخرى لشرعنة الحثّ عليها مع مراعاة الأولويّات الدّينيّة والأخلاقيّة، لكنّ هذا خارج عن صلب حديثنا الرّامي لمناقشة من يغرّر بالنّاس لإثبات إنّ من زار قبر الحسين بن عليّ “ع” في يوم العشرين من صفر يختلف ثوابه عمّن زاره في التّاسع عشر من صفر؛ فمثل هذا التّغرير لا شاهد معتبر عليه، والله من وراء القصد.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...