تأمّلات في إمامة السّجاد “ع” الإثني عشريّة!!

16 أكتوبر 2017
1290
ميثاق العسر

#مهما كانت طبيعة الإمامة الّتي ندّعيها للإمام عليّ والحسن والحسين “عليهم السّلام”، ومهما كانت حقيقتها وجوهرها وسعتها ومواصفاتها والّتي هي أمور راجعة إلى طبيعة الدّليل الّذي يقام عليها، أقول مهما كانت طبيعة هذه الإمامة لكن ستبقى مسألة انتقالها إلى من بعدهم إشكاليّة كبيرة وعميقة في نفس الوقت؛ وذلك لأنّ أبرز آليّة تدّعيها الإمامية الإثنا عشريّة […]


#مهما كانت طبيعة الإمامة الّتي ندّعيها للإمام عليّ والحسن والحسين “عليهم السّلام”، ومهما كانت حقيقتها وجوهرها وسعتها ومواصفاتها والّتي هي أمور راجعة إلى طبيعة الدّليل الّذي يقام عليها، أقول مهما كانت طبيعة هذه الإمامة لكن ستبقى مسألة انتقالها إلى من بعدهم إشكاليّة كبيرة وعميقة في نفس الوقت؛ وذلك لأنّ أبرز آليّة تدّعيها الإمامية الإثنا عشريّة لإثبات إمامة ما بعد عليّ “ع” هي التّنصيص، بمعنى إنّ الإمام السّابق ينصّ على إمامة الّلاحق، لكن حين العودة إلى النّصوص الّتي نقلها واعتمدها أهمّ كتاب حديثيّ إماميّ إثنيّ عشريّ ـ أعني الكافي ـ نجده ينقل لنا أربع روايات فقط لإثبات تنصيص الحسين “ع” على ولده السّجاد “ع”، وحين العودة إلى هذه الرّوايات نجد إثنين منها مرويّة عن الباقر “ع”، وواحدة مرويّة عن الصّادق “ع”، والرّابعة توظّف جابر بن عبد الله الأنصاري [وسنتوقّف عند هذه الأخيرة في مقال خاصّ]، والرّوايات الثّلاث الأولى تقرّر إنّ الحسين “ع” حينما صار إلى العراق أو حينما حلّ به ما حلّ أودع عند أم سلمة أو بنته فاطمة كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة…إلخ [الكافي: ج1، ص303]، وقد استظهر من هذا العمل تنصيصه على إمامة ولده السّجاد “ع” دون غيره!!
#وبغضّ الطّرف عن المشاكل السّنديّة والدّلاليّة العميقة جدّاً في هذه النّصوص والّتي سنتوقّف عندها لاحقاً وفقاً للمنهج المتداول والمنهج المختار أيضاً، لكنّا سجّلنا تحفّظاتنا العميقة فيما سلف ـ وفقاً لمنهجنا المختار ـ على منهجيّة إثبات إمامة الإمام برواياته ومرويّاته؛ وذلك لوجود جملة من المحاذير المعرفيّة الواضحة، وعلى هذا الأساس نقرّر ما يلي:
#واحدة من أهمّ شروط الرّاوي للحديث أن تكون له قدرة تكوينيّة على نقله؛ وحيث إنّ الباقر “ع” من مواليد سنة “٥٧هـ” لذا لا نتعقّل كونه ـ من حيث إنّه راو ـ هو من روى ذلك؛ إذ المفروض إنّ حادثة تأمين الحسين “ع” تلك الكتب والوصايا حصلت في سنة “60؛ أو 61هـ”، فكيف تمكّن صبيّ في الثّالثة أو الرّابعة من العمر من نقل ذلك، بل وفهم منه دلالة هذا الفعل على انتقال الإمامة؟! فضلاً عن الصّادق “ع” الّذي ولد بعد هذه الحادثة بعشرين سنة تقريباً.
#نعم؛ يمكن أن نعالج الموضوع في خصوص الباقر “ع” بعلاجين:
#الأوّل: أن يقال إنّه “ع” وإن كان في هذا العمر لكنّه يمتلك خصائص جسمانيّة تختلف عمّن في عمره باعتباره إماماً!!
وهذا العلاج واضح الدّفع؛ لأنّ حديثنا لا زال في إثبات إمامته عن هذا الطّريق، فكيف يمكن الّلجوء إلى نفس إمامته الّتي لم تثبت لحدّ الآن لتصحيح ذلك!
#الثّاني: أن يقال إنّه “ع” نقل عن أبيه “ع” ذلك.
#وهذا العلاج مضافاً إلى إنّه لا شاهد عليه ليرفع مشكلة الإرسال المفترضة في هذه الرّواية، فهو يرجع إلى ما ذكرناه سلفاً وأبطلنا الاستدلال به من إنّ إثبات إمامة الإمام برواياته ومرويّاته غير سليم.
#فتحصّل:إنّ إثبات تنصيص الحسين “ع” على إمامة ولده السّجاد “ع” متعسّر بل متعذّر، نعم؛ إذا ثبت لنا رواية الثّقات من غير الأئمّة “ع” ذلك عن الحسين “ع” مباشرة فلا مناقشة في الأمر حينذاك، لكنّ مثل هذا الأمر يصعب إثباته.
#تنوير: سنحاول في قادم المقالات استقصاء بقيّة النّصوص الّتي سعوا من خلالها إثبات التّنصيص على إمامة السّجاد “ع” في بقية الأبواب الأخرى، وسنتوقّف مع أسانيد ودلالة هذه النّصوص وغيرها؛ لذا نتمنّى التّركيز على أصل الفكرة المطروحة في هذا البوست وملاحظة حقّانيّة تطبيق منهجنا المختار على هذه الرّوايات، والنّاصّ على عدم إمكانيّة إثبات إمامة الإمام برواياته ومرويّاته، والله من وراء القصد.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...