تأمّلات في إحجام الإمام عن ذكر اسم خليفته!!

#كانت فكرة خليفة الإمام الصّادق “ع” واسمه وعنوانه تُقلق محبّيه وشيعته كثيراً، كما فرضت الظّروف السياسيّة الخانقة وفترة الانقلابات والثّورات نفسها على تلك البرهة الزّمنيّة، فمن المحتّم إنّ تتوجّه الأسئلة بكثرة عن هذا الموضوع المصيري… وذات مرّة دخل الفقيه الكبير محمد بن مسلم على الإمام جعفر بن محمد الصّادق “ع” قائلاً له: أصلحك الله بلغنا خبر علّتك ومرضك، وقد خفنا أن تجيب داعي الله وتختار الآخرة على الدنيا ونبقى في حيرة من أمرنا في تحديد خليفتك ووصيّك والإمام من بعدك، فهلّا أعلمتنا أو علّمتنا عن شخصه واسمه ورسمه؟ أجاب الصّادق “ع” بجواب عامّ حيث قال: «إنّ عليّاً “ع” كان عالماً، والعلم يتوارث، فلا يهلك عالم إلّا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله».
#لكنّ محمد بن مسلم رأى إنّ هذا الجّواب عامّ لا ينفعه في تحديد شخص الإمام من بعده “ع”، فتحوّل لطرح سؤال أكثر عمقاً فقال: وهل يمكن للنّاس أن لا يعرفوا الإمام والعالم بعد موت إمامهم وعالمهم؟!
#فبدأ الإمام بطرح إجابة تحمل تفصيلاً كنت أتمنّى أن يسمعها ويعقلها بعض دعاة تكفير الآخر وتفسيقه والحكم بضلالته فقال: أمّا أهل المدينة المنوّرة فلا يسعهم ذلك، وإمّا أهل غيرها من البلدان فهم في حلّ بمقدار مسيرهم ووصولهم إلى المدينة؛ فإنّ الله تعالى يقول: “وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كل فرق منهم طائفة ليتفقهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون”.
#أصرّ الفقيه محمد بن مسلم على أن يستخرج من الإمام جواباً حاسماً لسؤاله فضيّق على الإمام الأسئلة وقال: فما حال من مات وهو في الطّريق إلى المدينة طالباً معرفة الخليفة والإمام من بعدك؟! فأجابه الصّادق “ع”: «هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يُدركه الموت؛ فقد وقع أجره على الله».
#فختم محمد بن مسلم أسئلته قائلاً للإمام: إذا قدم هؤلاء إلى المدينة فما هي المعايير الّتي يرتكزون عليها لمعرفة الإمام؟!
#فأجابه الإمام بعبارة مختصرة: «يُعطى السكينة والوقار والهيبة». [الكافي: ج1، ص379ـ380؛ علل الشّرائع: ج2، ص591].
#أقول: الرّواية رواها الكليني والصّدوق بإسناد صحيح لا غبار عليه عندهم، ورغم إنّ العلامات الأخيرة الّتي ذكرها الإمام لمحمد بن مسلم هي علامات غير حاسمة وليست جازمة ولا يمكن تمييز مدّعي الإمامة عن غيره بتوسّطها، ولكن من حقّنا أن نقول: إن تمنّع الإمام الصّادق “ع” عن الإفصاح عن اسم خليفته لمخلص له ومقرّب منه ووجيه عند أبيه مثل محمد بن مسلم يكشف: إمّا عن عدم وثوقه بمحمد بن مسلم وإخلاصه له إذا طلب منه عدم الكشف رعاية للظّروف المحيطة؛ وإمّا إنّ الإمامة بالمعنى الشّيعي المتداول والمعروف وبعرضها العريض لم تكن جليّة وواضحة بل وربّما مرادة في نصوص وسيرة الأئمّة المتقدّمين والمتوسّطين “ع”… .
#نتمنّى التّأمّل والتّفكير في هذه الاحتمالات وغيرها أيضاً بعيداً عن سلطة ورهبة المحيط والمجتمع الضّاغط، وسنزيد هذه الأفكار تعميقاً في القادم من المقالات إن شاء الله تعالى، وهو الهادي والموفّق لسبيل الصّواب.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...