تأرجح مفهوم (الغلو) بين قمّ والنجف.

30 سبتمبر 2016
1487

قبل أكثر من ألف سنة من الآن كانت مدينة قم الإيرانيّة تمثّل مركزاً علميّاً مهمّاً جدّاً في الوسط الشيعي، وكانت تحتضن كثيراً من المُحدِّثين، وقد اعتادوا على إخراج كلّ مغالٍّ من مدينتهم، وأوّلى درجات الغلو عندهم هي: الاعتقاد بأنّ النبيّ (ص) لا يسهو، بل نصّ شيخهم الصدوق (381هـ) على أن مقولة: (أشهد أن عليّاً وليّ الله) في الآذان هي: من وضع المفوّضة لعنهم الله حسب تعبيره!!
أمّا اليوم فنجد إن حوزة النجف المعاصرة تمارس العكس؛ فتلفظ كلّ من لا يعتقد بهذه الأمور من حوزتها وسياقاتها العلميّة والاجتماعيّة والماليّة، وتعدّها من ضروريّات المذهب وأصوله، وتحتضن في نفس الوقت (بعض) من يُعدّون: شيوخ الغلاة وفقاً لمقاييس تلك المرحلة، بل وتفتح لهم أبواب [عتباتها] وقنواتها وفضائيّاتها و [أوقافها] وبعثاتها، وتنكّل بمن لا يعتقد بذلك، أمّا من لا يرفع الشهادة الثالثة في الآذان فهو وهابيّ سلفيّ عليه أن يفحص نسبه!!
ومن حقّ المراقب المحايد أن يسأل: من هو الشيعي المتّزن؟ هل هو: من لا يعتقد بعصمة النبيّ (ص) من السهو فضلاً عن الأئمة (ع)؟! أم هو: من يعتقد بعصمة (الدائرة الاصطفائيّة الثانية) لأهل البيت (ع) ـ كالعبّاس وزينب وعلي الأكبر (ع) ـ فضلاً عن الدائرة الأولى؟!
وفي ظلّ ما تشهده المنطقة من شحنٍ طائفيٍّ رهيبٍ ومقصود: هل سيُبَرّر تغاضي رجال الدين المعنيين عن الأحاديث المنبريّة التي تدور بين الناس حول عصمة الدوائر الاصطفائيّة الثالثة والرابعة والخامسة التي ستظهر لاحقاً؟!
ماذا لو كانت مدرسة قم الحديثيّة حاضرة اليوم، وتشاهد قنواتنا الفضائيّة ومنابرنا وثقافتنا المملوءة بالغلو والتفويض وفقاً لمقاييسهم؟
أظنّ جازماً بأنها سوف تنفينا إلى المريّخ دون أن تريق ماءً خلفنا؛ لتطمع في عودتنا إليها.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...