#يُروى: إنّ جماعة من شيعة الإمام العسكري “ع” ألحّوا عليه بأن يُخبرهم عن شخص الخلف من بعده وكان في مجلسه أربعون رجلاً ومنهم ما يُصطلح عليه بالسّفير الأوّل، وفي الأثناء خرج عليهم: «غلامٌ كأنّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد [العسكري] “ع” فقال [لهم العسكري “ع”]: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه، ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر…» [الغيبة، الطّوسي: ص357].
#وحيث إنّ مفردة «الغلام» تُطلق عادة على الصّبيّ المميّز والّذي يتراوح عمره ما بين: «10ـ 15سنة» كما صرّح بعضهم بذلك، بينما كان عمر المهديّ “ع” حين وفاة والده “ع” حسب فرضيّة ولادته لا يتجاوز الخمس سنوات… وقع البحث حينذاك في تفسيرها، فنقل بعض المعاصرين جوابين لحلحلة ذلك:
#الأوّل: يحصل أحياناً أن ينمو بعض الأطفال نموّاً فوق الطّبيعي، فترى ابن الخمس سنوات وكأنه في عمر العشر سنوات مثلاً، وما رآه هؤلاء من هذا القبيل.
#الثّاني: إنّ هذا الأمر هو أحد وجوه الشّبه بين المهدي “ع” وجدّته الزّهراء “ع” كما نصّت على ذلك رواية حسب قوله؛ إذ ينمو “ع” في الشّهر ما ينمو غيره في السّنة في دور صباه.
#أقول: لا أريد أن أعلّق على هذه الرّواية الّتي تظهر عليها آثار الوضع بوضوح، ولا أريد أن أعلّق على الرّواية المكذوبة الّتي استند إليها الجّواب الثّاني أيضاً؛ فجميعها عندي من قبيل: «نحت الأدلّة بعد الوقوع»، ولكنّي سأكتفي بالتّعليق البسيط على نفس الجّواب الثّاني الّذي وصفه هذا المعاصر بكونه وجيهاً:
#إذا كان شهر الزّهراء “ع” في صباها يعادل سنة من عمر أقرانها فهذا يعني إنّها تبدو للنّاس وهي في عمر تسع سنوات حقيقة وكأنّها في عمر فوق المئة بُنيّة وهيكلاً، فهل يُعقل أن هذه الظّاهرة الواضحة المحسوسة الغريبة والّلافتة قد رأتها نساء المدينة ومن قُدّر له رؤية الزّهراء “ع” والتّواصل معها ولا يتناقلونها ويستوضحون عن سرّها وسببها؟! أنا لا أدري هل نُريد أن نقنع أبناءنا وجيلنا المستقبلي بولادة المهدي “ع” ووجوده بهذا النّمط من البيانات الّتي لا يصدّق بها حتّى الصّبيان؟!
#اعتقد إنّنا بحاجة ماسّة إلى قراءة واعية ومجرّدة وموضوعيّة وشجاعة لفكرة المهدويّة بصيغتها الشّيعيّة المتداولة وعرضها العريض، وبعد هذه القراءة علينا أن نؤرشف أيّ مفردة من مفردات هذه الفكرة تُخفق في التّوفّر على مسوّغات إقناع علميّة لها مهما كانت طبيعتها وأهمّيّتها أيضاً، ومن دون ذلك فسوف يتجاوزنا الجّيل القادم مهما ذرفنا دموع المذهبيّة وأجّجنا نار الطّائفيّة لإقناعه، والله الهادي إلى سبيل الرّشاد.