ليس من طبعي الحديث عن قصّة التفاضل بين الأنبياء والأئمّة والأولياء الدارجة بين الأوساط الشيعيّة بشدّةٍ جرّاء سطوة منابر التخريف والغلو على وعينا، ولا اعتقد إنّها ستُسهم بشيء سوى المزيد من تقهقرنا وتخلّفنا في الواقع الحياتي أمام تقدّم الشعوب والأمم الأخرى، ولكنّي اليوم مضطرٌّ لتناولها، ليس لأنّي تراجعت عن قناعاتي الآنفة الذكر، بل لأنّي أريد […]
ليس من طبعي الحديث عن قصّة التفاضل بين الأنبياء والأئمّة والأولياء الدارجة بين الأوساط الشيعيّة بشدّةٍ جرّاء سطوة منابر التخريف والغلو على وعينا، ولا اعتقد إنّها ستُسهم بشيء سوى المزيد من تقهقرنا وتخلّفنا في الواقع الحياتي أمام تقدّم الشعوب والأمم الأخرى، ولكنّي اليوم مضطرٌّ لتناولها، ليس لأنّي تراجعت عن قناعاتي الآنفة الذكر، بل لأنّي أريد أن أنبّه القارئ إلى نقطة ربّما غفل عنها؛ جرّاء استحكام ثقافة المحيط في وعيه ومخيّلته؛ بحيث لا تسمح له العودة ولو لهنيئة لمراجعة قناعاته المذهبيّة التي تربّى عليها، بحيث يصطدم مع الجميع بسببها وتُراق دماء أولاده وأحفاده من أجلها.
#سأبدأ الفكرة بطرح سؤال: من هو الأفضل في واقعنا الشيعي: العبّاس بن عليّ أم سلمان المحمّدي؟! لا اعتقد إن شيعيّاً سيتردّد في هذا الجواب؛ فالعبّاس “ع” في الواقع الشيعي له من المكانة التي تفوق حتّى الأنبياء، ولكن هل إن النصوص الروائيّة ـ وهي المصدر الأوّل لحسم هذا الموضوع ـ تؤيّد ذلك؟!
#ربّما تستغرب إذا عرفت إنّ المحدّث النوري “1838ـ1903م” مثلاً يرى بأنّ سلمان أفضل من جميع الشهداء من الأوّلين والآخرين، وبالتالي: فهو أفضل من حمزة بن عبد المطّلب وجعفر بن أبي طالب فضلاً عن العبّاس بن علي بن أبي طالب [من غير الأنبياء والأوصياء]!! لا يقول ذلك من جيب صايته أو من حبّه للغرائب كما يتّهمه بعض معاصريه، بل يستند في ذلك إلى ما شاء الله من النصوص الواردة في مدح سلمان وتفضيله، ويمكنك العودة إلى كتابه: “نفس الرحمن في فضائل سلمان، لتحرّي ذلك، وهنا:
#فإمّا أن تكون عقيدتك تابعة للضغوطات الأُسريّة والاجتماعيّة والمنبريّة الخاطئة التي حاربها القرآن والأنبياء والأولياء والمصلحون، فستسبّ المحدّث النوري ومن يؤمن بكلامه أيضاً، وتذهب إلى زيارة العبّاس “ع” لتجدّد الولاء له، وتلفظ كلّ من فضّل سلمان عليه؛ وإمّا أن تكون عقيدتك تابعة للدليل السليم حتّى وإن مسّ مقدّساً من مقدّساتك؛ فترجع إلى الروايات وترى دلالاتها وسندها واحدة واحدة؛ فإّما أن تؤمن بها، وإمّا أن تردّها بدليل، من أيّ الصنفين أنت؟!
#وخلاصة القول: إنّ غرضي من هذا الموضوع ليس تفضيل سلمان على العبّاس ولا العكس أيضاً؛ فلكلّ منهما مقام محمود عند مليك مقتدر، ولا أظنّ بأنّ خالق الموجودات سيحاسبني إذا جهلت ذلك أو لم اهتمّ به يوم القيامة؛ ولكن عليك أن تعرف: أن لا ضرورة ملزمة تؤكّد حقّانيّة المقدّسات الاجتماعيّة والأسريّة والمذهبيّة، وحين الفحص والتنقيب والمتابعة ربّما تصل إلى العكس، فلا تضع علامة استفهام سلبيّة على من لا يؤمن بمقدّساتك، والله من وراء القصد