#ينساق المرحوم الخميني مع التوجّه الفقهي الّذي لا يرى حقّانيّة التّقسيم المشهور للخمس إلى سهم إمام وسهم سادة، بل يراه حقاًّ وحدانياًّ لمنصب الإمامة والإمارة، نعم من مصارفه فقراء السّادة. وقد تناول هذا الرأي في بحوثه في خارج البيع الّتي طرحها في حوزة النّجف الأشرف أيّام نفيه إلى هناك في ستّينات القرن المنصرم والّتي حضرها وقرّرها المرحوم الشّهيد محمد الصّدر أيضاً. وفي ضوء هذا التّأصيل الفقهي نصّ “رحمه الله” في أحدى محاضراته عن الحكومة الإسلاميّة الّتي أُستلّت وتُرجمت وطُبعت منفصلة عن بحوثه الفقهيّة التّخصيّصة بعد أن عمّم الخمس ليشمل جميع المصالح والأرباح:
«… وإذا أردنا أن نحسب أخماس أرباح المكاسب في الدّولة الإسلاميّة أو العالم كلّه إذا كان يدين بالإسلام لتبيّن لنا إنّ هذه الأموال الطّائلة ليست لرفع احتياجات سيّد أو طالب علم، بل لأمر أوسع وأكبر من هذا؛ لسدّ احتياجات أمّة بكاملها، وعندما تتحقّق دولة إسلاميّة فلا بدّ لها في تسيير شؤونها من الإستعانة بأموال الخمس والزّكاة والجزية والخراج؛ فالسّادة متى كانوا بحاجة إلى مثل هذا المال؟! خمس سوق بغداد يكفي لاحتياجات جميع السّادة ولجميع نفقات المجامع العلميّة الدينيّة، ولجميع فقراء المسلمين، فضلاً عن أسواق طهران وإسلامبول والقاهرة وغيرها، فميزانيّة بمثل هذه الضّخامة إنّما تُراد لتسيير أمّة كبرى، ولإشباع الحاجات الأساسيّة المهمّة للنّاس، وللقيام بالخدمات العامّة الصّحيّة والثّقافيّة والتّربويّة والدّفاعيّة والعمرانيّة» [الحكومة الإسلاميّة: ص29ـ30].
#وبغضّ النّظر عمّا يمكن إيراده من تأمّل فقهي في أصل هذا الكلام لكن الغريب أنّ يصفه بعض المعاصرين بالخطابيّ والتّعبوي وإنّه نافع لتهييج الجّماهير لإقامة دولة إسلاميّة وإلّا ففي البحث الفقهي الاستدلالي نحن والدّليل!! ويعلّق قائلاً بعد ذلك: «ويا سبحان الله توجد رواية تردّ على هذا الإشكال منه “قدّس سرّه” قد رويت في البحار بالسّند عن الإمام الكاظم “ع”: قال لي هارون: أ تقولون أن الخمس لكم؟ قلت: نعم. قال: أنّه لكثير!! قلت: إنّ الذي أعطاناه علم أنّه لنا غير كثير».
#ورغم إنّ هذه الرّواية لا أصل ولا فصل لها وقد نقلها المجلسي عن كتاب لم يُحسم شخص مؤلّفه حتّى الّلحظة ولم نر فقيهاً ذكرها في بحثه الفقهي أو استدلّ بها، أقول رغم هذا كلّه: نلحظ إنّ هذا المعاصر يسوق نفس كلام المرحوم الخميني ـ والّذي وصفه بالخطابي والتّعبوي ـ لمناقشة القائلين باختصاص نصف الخمس لبني عبد المطّلب، ويقول: «كيف نتصوّر أنّ خمس الغنائم الّتي بلغت ملايين الدّنانير الذّهبيّة في عصر الفتوحات الإسلاميّة تكون ملكاً لعبد المطّلب وهم يومئذ لا يتجاوزون العشرات عدداً، أمّا من تنطبق عليه العناوين الثّلاثة فقد يكون معدوماً؟!… فهذا الاستحقاق لهم بلحاظ المسؤوليّة لا الأشخاص، وهذا ما لم يفهمه هارون العبّاسي حينما اعترض على الإمام الكاظم “ع”…»، ونقل بعد ذلك نفس الرّواية الّتي جعلها دليلاً على خطابيّة كلام المرحوم الخميني وتعبويّته، وكأنّ ما ذكره من صياغة وتقريب لهذا الدّليل والرّواية أبعد عنهما وصف الخطابيّة والتّعبويّة الّتي وصف بها كلام المرحوم الخميني آنفاً!!
#وكيف ما كان ما يهمّني هو التّالي: إنّ فهم الكبار ونقدهم لا ينبغي أن يكون بهذه الطّريقة الجّزئيّة الهامشيّة من دون الذّهاب إلى عمق آرائهم ومرتكزاتهم ومبانيهم الفقهيّة وغيرها أيضاً، وإنّ هذا الأسلوب من النّقاش لا يربّي جيلاً حوزويّاً قادراً على فهم الآراء الفقهيّة كمنظومة معرفيّة مترابطة، بل يبقى يدور في فلك الحواشي والهوامش دون الذّهاب إلى العمق، ونتيجة ذلك التّصديق السّريع باجتهاد هذا أو أعلميّة ذلك، وهذا خلاف المنهج الحوزويّ الرّصين الّذي اختطّه الكبار.
#سنعود إلى فكرة تقسيم الخمس إلى سهم إمام وسهم سادة في القادم من المقالات، وما ذكرناه كان ضرورة لتهيئة الأجواء لما سنطرحه لاحقاً، والله من وراء القصد.
#الخمس_الشّيعي .