بغداد البويهيّة وفنون الحمق المذهبي!!

#ربّما تستغرب كيف إنّ الوعي الشّيعي في عصر التّأسيس والتّنظير المذهبي في بغداد البويهيّة كان يصدّق بالأساطير والخرافات الواردة في موروثنا الرّوائي، وتقول بينك وبين نفسك كيف يمكن أن أقارن بين الوعي الّذي تحمله بعض نصوص المفيد والمرتضى في تلك الحقبة وبعض ما يُنتاقل من ممارسات؟! نعم ربّما تستغرب ولكن: إذا نَقلتَ لك قصّة حصلت بعد مرحلة انهيار الدّولة البويهيّة بسنوات قليلة وهروب الشّيخ الطّوسي إلى النّجف فقد يزول تعجّبك وتعرف مستوى الوعي الّذي يحكم عموم النّاس؛ فقد روى ابن الجّوزي في أحداث ربيع الأوّل من سنة: “456هـ” ما يلي:
#شاع ببغداد أن قوماً من الأكراد خرجوا متصيّدين فرأوا في البرية خيماً سوداً سمعوا فيها لطماً شديداً وعويلاً كبيراً، وقائلاً يقول: قد مات سيدوك ملك الجن، وأيّ بلد لم يُلطم به عليه ولم يُقم فيه مأتم قلع أصله وأهلك أهله. فخرج النساء العواهر من حريم بغداد إلى المقابر يلطمن ثلاثة أيام، ويخرقن ثيابهنّ وينشرن بشعورهنّ، وخرج رجال من السفساف يفعلون ذلك، وفعل هذا في واسط وخوزستان من البلاد، وكان هذا فنّاً من الحمق لم ينقل مثله» [المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ج16، ص87].
#أجل؛ وبعد ما يقرب من ألف سنة من هذه الحادثة لا زالت جملة من المقولات المذهبيّة والطّقوسيّة والأضرحة والمراقد العلويّة تمرّر على عقول وقلوب البسطاء بأمثال هذه القصص أيضاً، خصوصاً إذا طُلب من الفقهاء إكساء هذه الأمور صبغة شرعيّة، فحينها ستخرج عشرات الاستفتاءات وأجوبتها الجّاهزة من مكاتبهم كالسّيل الجّارف مبيّنة: إنّ هذه المقولات والطّقوسيّات والأضرحة والمراقد والمسيرات وإن لم يقم عليها دليل لكنّها من الأمور الّتي تقوّي المذهب، وإضعافها إضعاف للمذهب، وينبغي السّعي الحثيث لإبقاء الإيمان في قلوب المؤمنين من خلال تكريس هذه الظّواهر في قلوبهم… وبعد سنوات تستحكم هذه الظّواهر وتصبح من ضروريات المذهب ومنكرها خارج عن الملّة ويُحكم بضلاله وانحرافه، وهكذا بدأت الحياة وهكذا تنتهي أيضاً، فهل من متّعظ؟!