#يرى المرحوم الصّدوق: إنّ سبب أمر الله الملائكة بالسّجود لآدم إنّما هو وجود أرواح حجج الله تعالى في صلبه؛ فالسّجود لله حينذاك عبوديّة له وهي في نفس الوقت طاعة لآدم وتعظيماً لما في صلبه، لكنّ أبليس تمنّع من السّجود حسداً؛ وذلك لأنّه عرف ـ والحديث لازم للصّدوق ـ إنّ صلب آدم مستودع لأرواح حجج الله دون صلبه، فكان أن كفر بحسده وإبائه وفسوقه عن الامتثال لأمر ربّه، فطرد عن جواره ولُعن في نفس الوقت، وسُمّي رجيماً.
#ولم يكتفِ المرحوم الصّدوق بهذا البيان بل أضاف: إنّ سبب ما تعرّض له أبليس من عقوبة إنّما هو إنكاره للغيبة؛ إذ برّر تمنّعه عن السّجود لآدم بقوله: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين؛ فجحد ما غُيّب عن بصره ولم يُصدّق به، وجعل ظاهر ما شاهده من جسد آدم مبرّراً لذلك، وأنكر أن تكون كلّ عمليّة السّجود المطلوبة سببها تعظيم ما في صلب آدم من حجج [!!].
#وربّما يكون الأمر إلى هذا الحدّ طبيعيّ، لكن الغرابة تبدأ حينما يقارن الصّدوق مقارنة عجيبة غريبة حيث قال: «فمثل من آمن بالقائم “ع” في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله عزّ وجل في السجود لآدم، ومثل من أنكر القائم “ع” في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لآدم كذلك، [ونقل بعدها على طريقته رواية ضعيفة ذات مجاهيل» [كمال الدّين وتمام النّعمة: ص13].
#ومع إغماض الطّرف عن حقيقيّة قصّة تمنّع إبليس عن السّجود لآدم أو رمزيّتها كما يختار بعض المفسّرين إذ إنّ ذلك بحاجة إلى بحث مستأنف نعد به في دراسات لاحقة، لكنّي اتساءل بصدق: ما هو الحدّ الأوسط والقاسم المشترك بين تمنّع إبليس من السّجود لآدم وهو ويعيش حالة حضوريّة بينه وبين ربّه الّذي وجّه إليه أمراً بالسّجود بغضّ النّظر عن طبيعة هذا الأمر، وبين من أنكر غيبة المهديّ “ع” مثلاً لعدم توفّر الأدلّة الكافيّة لإثبات وجوده؟! نعم من ثبتت له الولادة بدليل موضوعيّ معتبر، وثبتت له الغيبة بدليل موضوعيّ معتبر، فيكون الإنكار حينئذ من عمل الشّيطان الرّجيم.
#اعتقد إنّنا بحاجة ماسّة إلى النّقد المؤسّس لتراث المرحوم الصّدوق في هذا الخصوص، وما لم نتحلّ بالجرأة النقدية لنظير هذه البيانات وهؤلاء الشّخوص بغية تمييز الغثّ من السّمين والحقائق من الأساطير ستبقى المنابر والبحوث تلوك بهذه الكلمات لوك المسلّمات، دون أن يعترفوا بعدم قابليّتها في صناعة جيل متعلّم يحترم عقله ويدافع عن مذهبه بجدارة، والله وليّ التّوفيق.