#في السنين الغابرة كانت المقامات العلميّة تُعطى على أساس كثرة المرويّات؛ فكلّما كان الراوي أكثر رواية كانت مكانته أكثر وقعاً وهيبةً؛ وفي السنين الحاضرة نهجت مدرسة كربلاء الحديثة هذا النهج؛ فمنذ أيّام المرحوم محمد الشيرازي ومن هم من حواريّيه ودائرته صار المقياس في الأعلميّة كمّ المؤلّفات دون كيفها، فكتب “رحمه الله” ما يقرب من ألف منجز، وكتب المدرّسيّان كتباً كثيرة أيضاً، ولا زلت أتمنّى نهاية لهذه الظاهرة، وتحوّل النتاج من الكمّ إلى الكيف، لا أن نزيّف وعي الجماهير الإثني عشريّة بهذه الطّريقة المؤسفة.
#وفي سياق هذه الإثارة دعونا نستذكر مثالاً من مرويّات المرحوم الصّدوق؛ إذ لم يبدِ “رحمه الله” ممانعة في أن يملأ كتبه بروايات محزنة وأساطير مؤسفة ويدفعها إلى العقل الشّيعي الإثني عشري دون تروّ وتأمّل في سياق تلك الكبرى الّتي صدّرنا بها المقال، بل لا نجد ممانعة لديه في أن يروي عمّا يصطلح عليه بالنّاصبي؛ حتّى قال عن أحد مشايخه: «وما لقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول: اللّهمّ صل على محمّد فرداً ويمتنع من الصلاة على آله» [عيون أخبار الرّضا: ج2، ص279].
#أجل؛ أعلم إنّ مهمّة اقتلاع هذه الأساطير مستحيلة من أذهان العقل الإثني عشريّ في الوقت الحاضر؛ وكيف يمكن ذلك وقد حكّمها الملالي والوعّاظ في العقول تحكيم الفولاذ، ولكن كثرة الطّرق ستؤتي أُكلها ولو بعد عقود أو قرون، والله الهادي إلى سبيل الصّواب.