#على مدى ما يقرب من نصف قرن حرص المرحوم الخوئي في بحوثه الرّجاليّة والفقهيّة على توثيق وتمرير كتاب كامل الزّيارات لابن قولويه بكافّة مرويّاته وأسانيده تقريباً استناداً إلى ما تعهّد به الأخير في مقدّمته من إنّه لم يخرج فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم، فأخذ هذا الكتاب مأخذه في واقعنا المنبري المعاصر، ودخلت جملة من أساطيره في عمق الثّقافة الشّيعيّة العامّة لتستحكم كممارسات عمليّة استحكام الفولاذ، وأفتى بإجزاء غسل الزّيارة عن الوضوء…إلخ من فتاوى وممارسات معروفة، وبعد خراب البصرة عاد في آخر أيّام حياته ليصدر بياناً جاء فيه: «بعد ملاحظة روايات الكتاب [أي كامل الزّيارات] والتّفتيش في أسانيدها ظهر اشتماله على جملة وافرة من الروايات المرسلة والمرفوعة والمقطوعة والتي تنتهي إلى غير المعصوم “ع”، والتي وقع في أسانيدها من هو من غير أصحابنا، كما أنه يشتمل على الكثير من روايات أناس مهملين لا ذكر لهم في كتب الرجال أصلًا، بل وجماعة مشهورين بالضعف… ومعلوم أن هذا كله لا ينسجم مع ما أخبر به “قدّس سرّه” في الديباجة لو كان مراده توثيق جميع من وقع في إسناد كتابه… فصوناً لكلامه عن الإخبار بما لا واقع له لم يكن بدّ من حمل العبارة [الّتي في الدّيباجة] على خلاف ظاهرها بإرادة مشايخه خاصة [دون غيرهم]».[نقلاً عن مصباح المنهاج، للمرجع محمد سعيد الحكيم، كتاب التّجارة: ج1، ص462].
#ولست أدري أ لم يطّلع سماحته على الكتاب طيلة تلك الفترة الّتي مرّت ليرى جميع هذه المشاكل الّتي فيه، وهل يكفي أن يتراجع المرجع الأعلى عن آرائه العلميّة بإصدار البيانات فقط دون تحمّل مسؤوليّة ما أحدثته هذه الآراء من تكريس على مستوى عالٍ لثقافة التّخريف والأساطير في واقعنا الشّيعي؟! #أكتب هذه السّطور وأنا أقرأ نصّاً لبعض متأخّري المتأخّرين من تلامذته يقول فيه إنّ سيّدنا الأستاذ ساهم في تقويض المحاولات الّتي يقوم بها بعضهم في ترويج نمط من الأفكار المرتكزة على روايات الوضّاعين والضّعفاء!! وكأنّ صحوة ما بعد خراب البصرة ستحلّ الإشكال، دون التّحلّى بالجّرأة والابتعاد عن كبرى رعاية التّوازنات الحوزويّة في معالجة الأمور… # رحم الله الخوئي، وأسكنه فسيح جنانه؛ فلولا تراثه الفقهي والأصولي لتعسّر على بعضهم ادّعاء الاجتهاد فضلاً عن الأعلميّة، والله من وراء القصد.