#في أيّام المراهقة الفكريّة الحوزويّة والمذهبيّة، كنّا حينما نسمع: إنّ فلاناً ـ من أوساطنا المذهبيّة أو الإسلاميّة ـ قد طرح فكرة أو تبنّى رأياً يخالف السّائد المذهبيّ العميق الّذي ولدنا عليه، نسترجع ونحوقل فوراً ونقول: والعياذ بالله؛ هذا هو المصداق الأتمّ لسوء العاقبة، وندعو الله أن لا يوصلنا إلى مواصيله، وكنّا نعدّ هذا الأمر بديهيّاً؛ لا نفكّر في احتمال خطلنا ولا اشتباهنا فيه، ولا نفكّر أيضاً أن نقرأ براهين هذا الطّارح ولا شواهده ولا تحليلاته فضلاً عن أن نصل إلى مرحلة التّأمّل فيها!!
#ولكن بعد أن تفتّحت آفاقنا وهشّمنا جدار المذهبيّة في مسيرة العلم الطّويلة نحو النّضوج الفكري: اكتشفنا إن جملة ممّا كنّا نعدّه بديهيّاً لم يكن كذلك إلّا في دهليزنا المذهبي، وكثيراً ممّا كنّا نحسبه واضحاً جلياً ما كان كذلك إلّا في أوهامنا، والأغرب من هذا وذاك إنّا رأينا جملة ممّن كان يمتهن التّسقيط وتوجيه أحكام الانحراف والضّلال لبعض الأشخاص وأفكارهم لمخالفتها لقبليّاته المذهبيّة: يقاتل من أجل إثباتها وتسويقها واعتبارها من الواضحات البيّنات!!
#لذا تمنّياتي على أخوتي الأساتذة والطّلاب في حوزة النّجف الكريمة ممّن يُعوّل على فضلهم ونباهتهم أن يخرجوا من هذه الأحاديّة في التّفكير ولو في جلساتهم الخاصّة الّتي يضمنون عدم نقلها إلى الزّبانية، وأن لا يكرّروا مثل هذه الأخطاء القاتلة الّتي تكلّفهم الكثير في ظلّ ما نعيشه من ثورة معلوماتيّة، متأمّلاً منهم أن لا يعلّموا طلّابهم على لونيّ الأسود والأبيض فقط في التّعاطي مع الأفكار؛ فهناك طيف واسع من الألوان تتجانس وتتمايز في نفس الوقت، كما إنّ بقاءهم في خطّ علميّ واحد حتّى القبر ونحت أدلّة لحقّانيّته والدّعوة من الله تعالى لتوفيق البقاء فيه لن يقرّبهم من شعاع الحقيقة بقدر ما يصقلهم في مسار التّحجّر والتقهقر، فليتأمّل، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر