#ربّما قرعتْ أسماعَ جميعِكمُ قصّةُ مقتلِ نجلِ السيّدِ أبو الحسن الأصفهانيّ أثناءَ صلاةِ الجماعةِ في مطلعِ ثلاثيناتِ القرنِ المنصرمِ، وقرعتْ أسماعَكم أيضاً طريقةُ تسويقِ هذه القصّةِ من قبلِ الماكنةِ الإعلاميّةِ الحوزويّةِ، ومن قبلِ بعضِ خطباءِ المنبرِ، وبعضِ الأقلامِ المأجورةِ أو المُغفّلةِ؛ فقدْ قارنوا بينَ الحلمِ الذي لاحَ على السيّدِ أبو الحسن الأصفهانيّ حين قُتلِ ولدهُ، وبينَ الحلمِ الذي ظهرَ على أبي الأحرارِ الحسين “ع” وهو يرى فلذةَ كبدهِ مذبوحاً من الوريدِ إلى الوريدِ!!! لكن ما عتّموا عليهِ عمداً هو: الدوافعُ التي دفعتْ القاتلَ لارتكابِ فعلتهِ؛ فوصفَ بعضُهمُ القاتلَ بالجنونِ واختلالِ المشاعرِ، واتّهمهُ آخرونَ بكونهِ من الّلامزينَ للصدقاتِ الذي يطلبُ أكثرَ من حقّهِ، وسعى بعضُ السُذّجِ أن يربطَ الموضوعَ بموقفِ الأصفهانيّ المناوئ للتطبيرِ، ففعلَ القاتلُ فعلتهُ انتقاماً لذلكَ!!!…، لكن هل يسمحُ لي السادةُ والمشايخُ أن أكشفَ بعضَ كواليسِ الحقيقةِ؟!
#في أواسطِ تموّز من عامِّ: (1930م) طعنَ الشيخُ علي الأردهالي القمّي نجلَ السيّدِ أبو الحسن الأصفهاني، المسمّى بالسيّد حسن. وقبلَ أن أذكرَ تفاصيلَ القصّةِ على لسانِ القاتلِ، أجدُ من الضروريِّ الإشارةَ إلى مجموعةِ مقدّماتٍ:
#المقدّمةُ الأولى: المقتولُ “السيّد حسن” من مواليدِ: (1901م) كما تذكرُ بعضُ الكتبِ التي أرّختْ لحياتهِ، فهو حينَ مقتلهِ لم يتجاوزْ التاسعةَ والعشرينَ من العمرِ، وقد درسَ الدراساتِ الحوزويّةِ على الطريقةِ التقليديةِ التي تتبعها البيوتاتِ العلمائيّةِ التي تعرفُ طريقةِ الاجتهادِ التقليديِّ الرائجِ، وحينما سُفّر والدهُ إلى بلدهِ إيران في عام: (1923م) بقي في النجفِ الأشرفِ، ليُديرَ مكتبَ والدهِ وأمورَهُ الماليّةِ وتوزيعَ الخبزِ على طُلّابِها في تلكَ الفترةِ.
#المقدّمةُ الثانية: في تاريخِ وقوعِ الحادثِ كانَ في النجفِ علماءُ ومراجعُ وفقهاءُ كبارٌ من قبيلِ:
1ـ الشيخ عبد الله المامقاني التبريزي المولود سنة: (1823م)، والمتوفّى سنة: (1933م).
2ـ الشيخ محمد جواد البلاغي، المولود سنة: (1865م)، المتوفّى سنة: (1933م).
3ـ الميرزا حسين النائيني، المولود سنة: (1858م)، والمتوفّى سنة: (1936م).
4ـ الميرزا علي إغا الشيرازي [حفيد المجدّد الشيرازي]، المولود سنة: (1870م)، والمتوفّى سنة: (1936م).
5ـ الأغا ضياء الدين العراقي، المولود سنة: (1862م)، والمتوفّى سنة: (1942م).
6ـ الشيخ محمد حسين الأصفهاني، المولود سنة: (1878م)، والمتوفّى سنة: (1942م).
7ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، المولود سنة: (1876م)، والمتوفّى سنة: (1954م).
#المقدّمة الثالثة: كان لمخابرات رضا شاه البهلوي نفوذاً واسعاً جدّاً في حوزةِ النجفِ وبيوتاتِ “بعض” المراجعِ آنذاكَ؛ إذ عمدتْ القنصليّةُ الإيرانيّة في النجفِ إلى نقلِ تفاصيلِ ما يحدثُ في تلكَ البيوتاتِ أولاً بأوّلٍ عن طريقِ التلغرافِ إلى العاصمةِ طهرانَ، وكان لقنصلها دورٌ كبيرٌ في التأثير السلبي أو الإيجابي على قرارات تلك البيوتات، كما كانتْ لهم عيونٌ أيضاً من فضلاءِ الحوزةِ النجفيّةِ ومقرّبي المراجعِ السبيّبينَ والنسبيّينَ، يشهدُ لذلك الوثائقُ التي كشفتْ عنها وزارةُ الخارجيّةِ الإيرانيّةِ بعدَ انتصارِ الثورةِ عام: (1979م).
#وبعدَ هذهِ المقدّماتُ سننتقلُ إلى ترجمةِ التقريرِ الخاصِّ بالحادثةِ، والذي كتبهُ القنصلُ الإيرانيّ في النجفِ الأشرفِ آنذاكَ، ورفعهُ إلى سفارةِ بلادهِ في بغدادَ، ومن ثمَّ إلى وزارةِ الخارجيّةِ في طهران، لأسباب عدّة أهمّها: إنّ القاتلَ والمقتولَ من المواطنينَ الإيرانيينَ، وعلى الدولةِ الإيرانيّة أن تتابعَ موضوعَهما مفصّلاً، وهو تقريرٌ احتوى على تفاصيلَ مُذهلةٍ مؤلمةٍ يندى لها الجبينُ، وتعتبرُ ـ في تقديري ـ وصمةَ عارٍ تلاحقُ كلَّ من يتمشدقُ زوراً وانتفاعاً وبلاهةً بنزاهةِ كلِّ جوانبِ المؤسّسةِ الدينيّةِ دونَ تصحيحٍ للأخطاءِ.
#في يومِ الأربعاء الموافقِ: (16/09/1930م) كتبَ القنصلُ الشاهنشاهي الإيرانيّ في مدينةِ النجف الأشرف تقريراً رفعهُ إلى سفارةِ بلادهِ في بغداد؛ ليكشفَ من خلالهِ عن خلفيّاتِ حادثِ القتلِ الذي حصلَ في تاريخِ: (16/صفر/1349هـ ق) الموافقِ: (13/07/1930م تقريباً)، في ضريحِ الإمامِ عليّ (ع)، والذي قُتل فيه السيّدُ حسن الأصفهاني، بتوسّطِ الشيخِ علي الأردهالي القمّي. وسنعمدُ إلى ترجمةِ هذا التقريرِ ترجمةً حرفيّةً تقريباً [وما بين قوسين إيضاح منّي]؛ والذي حملَ الرقمَ: (17803ـ 310102)، في أرشيفِ وزارةِ الخارجيّةِ الإيرانيّة، كما نشرَ ذلكَ الباحثُ الإيراني المعاصرُ “محمد حسين منظور الأجداد” في كتابهِ الشهير: “المرجعيّةُ والسياسةُ”.
جاء في التقريرِ ما يلي:
#سعادةُ السفيرِ الشاهنشاهي الإيراني في بغداد “دامتْ شوكتهُ”:
#في الرابعِ والعشرين من الشهرِ الجاري [أي 24/07/1930] قَدِمَ إلى النجفِ رئيسُ محكمةِ الاستئنافِ ورئيسُ محكمةِ عدلِ الحلّةِ، فعُقدتْ محكمةٌ عُليا لمحاكمةِ الشيخِ علي القمّي، والذي قتلَ السيّدَ حسن، [نجلَ السيّدِ أبو الحسنِ الأصفهاني].
مَثُلَ المتّهمُ أمامَ المحكمةِ بحضورِ الشهودِ، ولمّا طلبَ السيّدُ القاضي من أحدِ الشهودِ الإدلاءَ بشهادتهِ مجدّداً، بادرَ المتّهمُ قائلاً: لا حاجةَ إلى شهادةِ الشهودِ، مُرهمْ يا سيّدي القاضي بالخروجِ من القاعةِ؛ فأنا من قتلتُ السيّدَ حسن [نجلَ الأصفهاني]، وأقرُّ واعترفُ بذلكَ. طلبَ القاضي من الشهودِ المغادرةَ، ليسألَ المتّهمُ بعدها: لماذا قتلتَ السيّدَ حسن [نجل الأصفهاني]، أوضحْ سببَ ذلكَ مفصّلاً؟!
#أجابَ [المتّهمُ الشيخُ علي القمّي]: منذُ فترةٍ وأنا أمرّ بظروفٍ معيشيّةٍ صعبةٍ للغايةِ، وكانَ السيّدُ أبو الحسن [الأصفهاني] لا يمنحُني سوى رغيفينِ من الخبزِ في اليومِ الواحدِ [حيثُ كانَ الأصفهانيُّ يوزّعُ خُبزاً في حوزةِ النجفِ على طلّابها]، وقد طرقتُ أبوابَ جميعِ العلماءِ وشرحتُ لهمُ حالتي فلم يعتنوا بي، فذهبتُ إلى: [1] الأغا ضياء الدين العراقي، وشرحتُ له الحالَ، فأجابني: أنا خالي الوفاض مثلكَ؛ فإذا وجدتَ أحداً دلّني عليه لنذهبَ إليهِ سويّةً لنعرّيه. وذهبتُ إلى: [2] الميرزا علي الأغا الشيرازي [حفيد المجدّد الشيرازي] فطردوني من البابِ. وذهبتُ إلى: [3] الشيخ المامقاني [صاحب تنقيح المقال] فأجابني أنا رجلٌ تركيّ!!! وذهبتُ إلى: [4] الميرزا النائيني فلم يعتنِ بي.
#حتّى حلَّ يومُ الواقعةِ، وكنتُ صائماً صوماً استيجاريّاً، [وكانَ هذا في شهرِ تموّز]، وبقيتُ في داخلِ المدرسةِ حتّى ظهرِ ذلكَ اليوم، ولم أكنْ أملكُ شيئاً للإفطارِ على الإطلاقِ، لا سُكرّاً، ولا شاياً، ولا أكلاً، نعم لا أملكُ أيَّ شيءٍ… خرجتُ من المدرسةِ وذهبتُ إلى البقّال المجاورِ لها والذي كانَ يُقرضني على الدوامِ وأوفّيه بعد ذلك، فطلبتُ منهُ أن يُقرضني “قِراناً واحداً” فرفضَ ذلك. قَدمتُ إلى بدايةِ السوقِ فكان هناك بقّالٌ أعرفهُ، فتناولتُ بطّيخةً [رقيّة]، وقلتُ له سأوفّيك ثمنها لاحقاً، فرفضَ ذلك. ذهبتُ إلى “سوقِ الحويش”، وطلبتُ من أحدِ العطّارينَ حفنتينِ من الشايِ والسُكّرِ، فرفضَ ذلكَ أيضاً!
#رجعتُ إلى المدرسةِ كالمجنونِ، أحسستُ بنارٍ ملتهبةٍ في داخلي، ألقيتُ نفسي في حوضِ الماءِ الذي في وسطها عرياناً، بعد ذلك عدتُ إلى غرفتي، وكتبتُ رسالةَ استعطافٍ واسترحامٍ إلى السيّدِ أبو الحسن الأصفهاني ليقدّمَ لي إعانةً، وذكرتُ فيها: إنّ حالتي يُرثى لها، وإنّا صائمٌ، ولا يوجدُ لديّ شيءٌ للإفطار!!
#فحملتُ الرسالةَ بنفسي وذهبتُ إلى بيتِ السيّدِ الأصفهانيّ، وحينما دخلتُ إلى واحةِ بيتهِ رأيتُ نجلَهُ السيّدَ حسن واقفاً يتحدّثُ من داخلِ الإيوانِ مع جماعةٍ، أعطيتُ الورقةَ إلى الخادمِ كي يوصلها إليهِ، فناداهُ السيّدُ حسن من الأعلى: بأنَ أرجعْ الورقةَ إليهِ. فرمى الخادمُ الورقةَ عليَّ. وحينما أخذتُ الورقةَ وأردتُ أن أصعدَ بنفسي إليهِ، أمرَ الخدمَ بأن ينزلوني من درجاتِ السلّمِ، ورموني خارجَ البيتِ!!! فرجعتُ إلى المدرسةِ فاقداً للشعورَ، فألقيتُ نفسيّ في حوضِ الماءِ مرّةً ثانيةً وأنا في حالةِ جنونٍ.
وحينما حلَّ الغروبُ رجعتُ مرّةً ثانيةً إلى بيتِ السيّدِ أبو الحسن [الأصفهاني]، وفي هذا الوقتِ خرجَ [نجلهُ] السيّد حسن من المنزلِ ليذهبَ إلى الصلاةِ في صحنِ الإمامِ عليّ (ع)، وقد التمستهُ من بيتهِ وحتّى الصحن [الشريف] بأن يدفعَ ليَ مبلغَ إفطارِ هذا اليومِ على الأقلِّ فرفضَ ذلك!!!!
#فجئنا سويّةً إلى الصحنِ [الشريفِ] وأدّينا صلاةَ المغربِ سويّةً، فرأيتُ بعدها: إنّ الجوعَ والعطشَ قد آخذَ منّي مآخذاً كبيراً، فجئتُ إلى السيّد حسن لأشرحَ له حالتي؛ علّهُ يترحّمُ عليَّ، فقالَ لي: أ لم تجدْ أحداً غيرَنا فتطلبَ منه؟! أغربْ عن وجهي فلا يوجدُ لديّ شيءٌ!!
#فرجعتُ وقد سئمتُ الحياةَ التي لا طاقةَ لي للعيشِ فيها، فرجعتُ من دون شعورٍ إلى السيّد حسن مرّةً ثانيةً وقلتُ له أنا صائمٌ وجائعٌ، فلم يعتنِ أيضاً!!!!
#وحينها أخرجتُ سكّيناً من جيبي فطعنتهُ، ولا أعلمُ أينَ وقعتْ طعناتي، وكان بنائي أن أطعنَ نفسي بعد ذلكَ، وأضربَ بطني بالسكّين، لكنّي جبنتُ بعد أن وقعتْ الواقعةُ والاضطرابُ الذي حصلَ بعد ذلكَ، ولم استطعْ إلا أن أوصلَ نفسي إلى مركزِ الشرطةِ، وكان السكّينُ بيدي حتّى ألقيته قريبَ هذا المركز. هذه هي الحقيقةُ، وإذا كنتمُ تدّعونَ القانونَ والعدالةَ فأحكموا بالعدلِ.
#وبعدَ إفادةِ المجرمِ [كما يعبّرُ القنصلُ]، استجوبَ القاضي أربعةً من الشهودِ أيضاً، وبعدَ ذلكَ أخرجَ الجميعَ من قاعةِ المحكمةِ. وبعدَ ساعةٍ مَثُلَ المجرمُ أمامهَ ليقرأَ عليهِ الحُكمَ، وهو: السجنُ المؤبّدُ مع الأعمالِ الشاقّةِ.
#فسألَ المجرمُ القاضي: ما هي المادّةُ التي استندتْ إليها المحكمةُ في هذا الحكمِ؟
فقالَ القاضي: وفقاً للمادّةِ: (112) من قانونِ العقوباتِ.
#وبعد إعلانِ الحكمِ اعترضَ مجموعةٌ من العلماءِ عليهِ؛ إذ كانوا يطالبونَ بإعدامهِ، وقد فكّرَ الشيخ جواد الجواهري وأمثالُه بتشكيلِ مجلسٍ من العلماءِ وحُججِ الإسلامِ، ليقدّمَ شكوى على هذا الحكمِ، ويرفعوها إلى الملكِ فيصل؛ ليأمرَ باستئنافِ الحكمِ لكي يُعدم، وأمّا بعضُ العلماءِ فقد كانوا مستبشرينَ لعدمِ إعدامهِ. نسخةٌ منه إلى وزارة العدل. نسخةٌ منه إلى رئاسة الوزراء».
#أمّا السيّدُ مير حسين سجّادي، حفيدُ أبو الحسن الأصفهانيّ من بنتهِ الكبيرةِ، فيحدّثنا عنْ تفاصيلِ لحظةِ مقتلِ خالهِ السيّدِ حسن؛ إذ يروى ذلك [وربّما بالواسطةِ] عن السيّدِ محمد پیغمبر الخامئني [عمّ السيّد الخامنئي المعاصر] والمتوفّى سنة: (1934م)؛ حيثُ كانتْ لنجلِ الأصفهانيّ المقتولِ علاقةٌ طيّبةٌ معهَ، وكانوا يصّلونَ جنباً إلى جنبٍ في ليلةِ الحادثةِ، يقولُ پیغمبر ما ترجمتهُ: “كنتُ أصلي نافلةَ الغفيلة بعدَ أداءِ صلاةِ المغربِ، وكان السيّدُ حسن جالساً إلى جنبي بعد إتمامهِ لها، وفي أثناءِ تنفّلي رأيتُ شخصاً واضعاً عباءَتهُ على رأسهِ يقتربُ من السيّد حسن، وكأنّهُ أرادَ أن يقولَ لهُ شيئاً ما، وفي الأثناءِ سمعتُ صراخَ السيّد حسن، فعرفتُ إنّ هذا الرجلَ قدّ وجّه له ضربةً، فمسكتُ عباءتهُ وأنا في حالةِ الصلاةِ بغيةَ الحيلولةِ دونَ هروبهِ، فما كانَ منهُ إلا أن ضربني على يدي ليجرحَ أصابعَها بسكينتهِ، فتركتهُ ليهربَ… اختلتْ صفوفُ الجماعةِ بعدَ هذا الحادثِ، فسمعَ السيّدُ أبو الحسن الأصفهاني بالهَمهمةِ والضوضاءِ، فأخذ يسألُ: ما الأمرُ؟! فقيلَ لهُ: لا شيءَ يستدعي القلقَ؛ إنّ طارئاً حصلَ للسيّد حسن، ونُقلَ على إثرهِ للمشفى، أجل؛ لم يكن للسيّدِ المرجعِ علمٌ بالحادثةِ أصلاً، وكان ينظرُ للجموعِ بحيرةٍ وقلقٍ، وبعد أن وقعتِ الواقعةُ حارَ المحيطونَ بسماحتهِ في كيفيةِ إخبارهِ بشهادة ولدهِ، فوقعَ اختيارُهم على الشيخِ جواد الجواهري [المتوفّى سنة: (1937م)] ليتحمّلَ مسؤوليّةَ ذلك… ويُخرجَ السيّدَ من حيرته، فأخبروا الجواهريّ بالحادثةِ، فوصلَ إلى بيتِ السيّدِ وصعدَ السُلّمَ ووقفَ في الباب متّكأً على عصاهُ وخاطبَ السيّد الذي كان جالساً أمامهُ: “يا أيها السيّد: إن اللهَ أنزلَ عليكَ بلاءً وأرادَ أن يمتحنكَ بذلكَ”، واكتفى بهذه الجملةِ وخرجَ من بيتهِ، فبدأ السيّدُ “رحمهُ اللهُ” بالبكاءِ، وبكى جميعُ الحاضرينَ حولهُ أيضاً، لكنّه طلبَ منهم بعد ذلك السكوت؛ لأنّه لا يريدُ وصولَ الخبرِ إلى النساءِ في هذا الوقتِ من الّليلِ” [موقع تبيان الفارسي].
#وفي اليوم التالي شُيّعَ السيّدُ المقتولُ بأفضلِ وجهٍ، وقّدّم الميرزا النائيني للصلاةِ عليه، ولم يخلُ تشييعهِ “رحمهُ اللهُ” من قصصٍ وأساطيرَ نُقلتْ على الألسن من هنا وهناك، لا نجد حاجةً لذكرها.
#وفي ختامِ هذه المقالة عليّ إلفاتُ النظرِ إلى نقطتينِ:
#الأولى: أهدفُ من خلالِ استعراضِ حقيقةِ هذه القصّةِ وواقعِها الإشارةَ إلى ما يعانيهِ الواقعُ الشيعيُّ من مأساةِ حقيقيّةٍ في الانسياقِ وراءَ القصصِ والأساطيرِ والخرافاتِ خصوصاً إذا ألبسَها أصحابُها بلباسِ الدينِ؛ فرغمَ إن القصّةَ لم يمرّْ عليها سوى بضعةُ عقودٍ، وكثيراً من معاصرِيها لازالوا أحياءَ يُرزقونَ ، إلا أنّك تسمع بعض الملالي والوعّاظ يكشفُ عن تفاصيلَ مُذهلةٍ يُمارسها من أجلِ استدرارِ عواطفِ مستمعِيهم، ولا أدري كيفَ يمكنُ لنا الوثوقُ بموضوعيّةِ ونزاهةِ وعلميّةِ أمثالِ هؤلاءِ وهم ينقلونَ إلينا وقائعَ مرَّ عليها ما يقربُ من ألفٍ وأربعمائة سنةٍ؟! أو ليس هذا يدعو الآخرينَ إلى وصفِ مذهبِنا بالتخريفِ وتأليفِ الأساطيرِ؟!، والمؤسفُ: إنّ جميعَ ذلك يقعُ بمرأىٍ ومسمعٍ من المعنيينَ، وشماعةُ الصمتِ إزاء هذه الظواهرِ هي: “الحفاظُ على عنوانِ المذهبِ”، ولا أدري أيّ مذهبٍ يُحفظُ بمثلِ هذه التُرّهاتِ؟!
#الثانية: القصّةُ بقراءتها الواقعيّةِ تكشفُ عن أزمةٍ في الجهازِ الإداري المحيطِ بالمرجع المتصدّي للشأنِ الديني، ولازلنا نعاني من هذهِ الأزمةُ حتّى اليوم، ولا يمكن استثناءُ مرجعيّةٍ من المرجعيّاتِ منها على الإطلاق إلا ما شذَّ وندرَ؛ حيث تتحكّمُ قناعاتُ الأبنِ والصِهرِ في كثيرِ من السياقاتِ الإداريّةِ والماليّةِ بل والسياسيّةِ وحتّى الفقهيّة، وما لم يُصار إلى ترتيبِ الْبَيْتِ المرجعي بطريقةٍ مؤسّساتيّةٍ خاضعةٍ لضوابطَ صارمةٍ ومحكمةٍ وغير منفلتةٍ، فإن أمثالَ هذه الحوادثِ ستتكرّرُ جزماً، وإن كانت بصورٍ أخرى.
#وأخيراً: آملي بالمخلصينَ في الحوزةِ العلميّةِ كبيرٌ، وأتمنّى أن يتجاوزوا لغةَ العناوينِ الثانويّة كشمّاعةٍ سرمديّةٍ لسكوتِهم وإخفاقِهم، فكلمةُ الحقّ ينبغي أن تُقال، ولو دفّعتهم ثمناً غالياً؛ وكيانُ الحوزةِ العلميّةِ هو الأساسُ، والأشخاصُ زائلونَ متغيّرونَ. أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ من كلّ ذنبٍ عظيمٍ، ومن يتقِّ اللهَ يجعلْ لهُ مخرجاً.
#ميثاق_العسر