العناوين الثّانويّة عند الإمام!!

المستقرئ بعناية لأحوال الأئمّة “ع” يلحظ وجود شيء من الاختلافات فيما بينهم في تحديد بعض العناوين الاجتماعيّة كما يصطلح عليه بعض المحقّقين؛ فمثلاً: كانت للصّادق “ع” وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر أبيه الباقر “ع” في خصوص إظهار حكم عدم وجوب الزّكاة على الأموال المُتّجر بها وقصر هذا الحكم على الرّكاز والكنوز؛ إذ رأى “ع” إنّ إظهار مثل هذا الحكم سيفضي لا محالة إلى تمنّع النّاس من دفع زكواتهم، لكنّ الباقر “ع” تعامل مع ولده الصّادق “ع” بحدّة بعد أن سمع منه هذا الكلام وقال له: «إليك عنّي لا أجد منها بُدّاً» كما جاء ذلك في صحيحة زرارة. [تهذيب الأحكام: ج4، ص71].
#لكنّ الّلافت أن نجد في بعض نصوصهم الصّحيحة ما يدلّ بدواً على اختلاف في استنباط نفس الأحكام الأوّليّة أيضاً؛ فقد روى الكليني بإسناده صحيحاً عندهم عن سليمان بن خالد إنّه قال: لقد سمعت من الصّادق “ع” ذات يوم يقول: إنّ أصحاب أبي أتوه يوماً وسألوه عن الخراج الّذي يأخذه السّلطان منهم، فرقّ لهم وتألّم عليهم، ومع إنّه يعلم إنّ الزّكاة لا تحلّ إلّا لأهلها، لكنّه أمرهم أن يحسبوا ما دفعوه للسّلطان زكاة… وهنا دخل الصّادق “ع” على الخطّ حيث قال: «فجال فكري والله لهم [وقال]: يا أبت إنّهم إن سمعوا إذاً لم يُزكّ أحد؟!» فقال: «يا بني، حقٌّ أحبّ الله أن يُظهره». [الكافي: ج3، ص543].
#أقول: إذا كان الباقر “ع” يعلم بأنّ الزّكاة لا تحلّ إلّا لأهلها في الشّريعة الإسلاميّة فهل يُعتبر العطف والرّقة على أصحابه مبرّراً لإفتائهم بجواز احتساب ما دفعوه إلى السّلطان زكاةً؟! وإذا كان هذا الأمر جائزاً فلماذا يعترض ولده الصّادق “ع” على ما طرحه أبوه”ع”؟! أمّا إذا تابعنا فتاوى الصّادق “ع” في خصوص هذا الموضوع فنرى بعضها تتطابق مع فتوى أبيه أيضاً، وهذا الأمر يعقّد توجيه التّعارض وفقاً للمنهج المتداول بين معظم الإماميّة كما نصّ بعض المحقّقين.
#وخلاصة القول: إن جميع هذه الأمور وغيرها ممّا سنذكر تكشف عن إنّ مفهوم العصمة والحقّانيّة بهذا المعنى الشّيعي المتداول وعرضه العريض لم يكن واضحاً لا في فهم ممثّلي الاتّجاه الّرسمي من أصحاب الأئمّة المتقدّمين والمتوسّطين والّذين نقلوا أمثال هذه النّصوص دون اعتراض وتحفّظ، ولا بين أصحاب نفس هذه النّصوص وسيرتهم المحكمة، على أن نشير إلى نقطة منهجيّة هامّة وهي: إنّ مرتكزات هذه الاختلافات ومبرّراتها وأسبابها هي المفتاح #الأصلي لحلّ #بعض ما يُتراءى من تعارض بين نصوصهم وفقاً لمنهجنا المختار لا الطُرق العلاجيّة المعروفة بين علماء أصول الفقه فتدبّر.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...