#تصوّر لو إنّك كنت وجماعة من المؤمنين الشّيعة في آخر شهر جمادي الثّانية من سنة: “254هـ” تنتظرون حلول ساعة تشييع إمامكم علي بن محمد الهادي “ع” في سامراء صبيحة يوم رحيله، وفي الأثناء ظهر نجله الحسن العسكري “ع” في هيئة صادمة لجميع من حولك؛ إذ «خرج من داره وقد شقّ قميصه من خلف وقدّام» [الفقيه: ج1، ص174]، وأخذ كلّ واحد منكم ينظر إلى الآخر مستغرباً؛ إذ لم تعهدوا مثل هذا التّصرّف حين فقدان الأب من أحد من الأئمّة “ع” الّذين سبقوه على الإطلاق، بل كانت سيرتهم ونصوصهم حاثّة على الصّبر والتّجلّد ومتطابقة مع الرّؤية القرآنيّة الّتي تقرّر: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون»، لكنّ هذا المشهد لم يكن غريباً عليك أنت بالذّات؛ فقد شاهدته أيضاً في مجلس فاتحة أخيه السيّد محمد قبل سنتين وبحضور أبيه الهادي “ع” وجمع كبير من المؤمنين وهو «مشقوق الجيب» [الكافي: ج1، 326].
#وبغية أن لا تُسيئوا الظّن وتذهب بكم المذاهب بعيداً بادر أحد أصدقائك بعد انتهاء الصّلاة عليه والّتي أقامها أحمد بن المتوكّل “المعتمد بالله” [مروج الذّهب: ج4، ص84] إلى إيصال استغراب النّاس وامتعاضهم من هذا المشهد إلى العسكري “ع” فقال له: «إنّ الناس قد استوحشوا من شقّك ثوبك على أبي الحسن [الهادي] “ع”… من رأيت أو بلغت من الأئمة شقّ ثوبه في مثل هذا؟!» [رجال الكشّي: ص572]، لكن الّلافت إنّ جواب العسكري “ع” له كان حادّاً جدّاً وخلاف التّوقعات حيث قال له بلهجة حادّة: «يا أحمق ما أنت وذاك؟! قد شقّ موسى على هارون “ع”، إنّ من الناس من يولد مؤمناً ويحيى مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيى كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيى مؤمناً ويموت كافراً، وأنّك لا تموت حتى تكفر وتغيّر عقلك [!!]» [المصدر السّابق، نفس المعطيات].
#ويبدو إنّ هذه الإجابة الصّادمة سبّبت ردود أفعال غير طبيعيّة بالنّسبة لصديقك الّذي فارقته منذ تلك الّلحظة ولم تره بعد؛ حيث نُقل لك إنّه ما «مات حتى حجبه ولده عن الناس وحبسوه في منزله، في ذهاب العقل والوسوسة، ولكثرة التخليط، ويردّ على أهل الإمامة، وانكشف عمّا كان عليه [!!]» [المصدر السّابق نفسه].
#أقول: لا شكّ في إنّ أمثال هذه المواقف المنقولة عن العسكري “ع” في أكثر من مصدر سبّبت ردّات أفعال كثيرة بين الوسط الشّيعي آنذاك حول العسكري “ع” وإمامته، وهذا الأمر ـ وغيره أيضاً ـ يضع الدّور الرّيادي والتّربوي والهدايتي له “ع” في موضع السّؤال الّذي يتطلّب عناية فائقة للإجابة عليه بعيداً عن المكرّرات المعروفة الّتي ولدت من ضيق الخناق، خصوصاً مع عدم وجود إمام حاضر بعده لتفسير هذه المعضلات والمشكلات، هذا فضلاً عن غياب المنجز المعرفي الدّيني له “ع” سوى عدد قليل من المكاتبات وفي مسائل هامشيّة أيضاً، والله من وراء القصد.
#المهدويّة_الإثنا_عشريّة
#ميثاق_العسر