العسكري “ع” وترويض البغل!!

#هبْ إنّك اصطحبت النّجاشي معك وذهبتما معاً إلى بيت ثقة الإسلام الكليني للاستفسار منه عن بعض المسائل الّتي علُقت في بالك حول المهدويّة الإثني عشريّة، وبعد أن شربتم قدحاً من الشّاي أخبركم الكليني بأنّه مشغول حاليّاً بتحضير المادّة الرّوائيّة لكتابه الكافي وهو على موعد هامّ مع أحد مشايخه ليحدّثه ببعض المرويّات المرتبطة بالقائم “ع”، فاقترح عليكم أن تذهبوا معه حيث هناك جمع غفير من الشّيعة الإثني عشريّة العُطاشى للاستماع إلى أخبارهم ومقاماتهم “ع”، فنظرت إلى النّجاشي فرأيت الإيجاب بادٍ على عينيه فرحاً مستبشراً بما سيسمعه من بركات.
#انطلقتم معاً إلى المسجد القريب حيث الحشود الكبيرة الّتي ملأت أركانه، فتفسّح النّاس وأخلوا لكم المكان حيث كانت للكليني مكانة ومقام بين النّاس أيضاً، فارتقى أحد المشايخ المنبر والأعناق اشرأبّت للإصغاء إلى حديثه فقال: روى لي عن أحمد بن الحارث القزويني إنّه قال: «كنت مع أبي بسُرّ من رأى [سامرّاء]، وكان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد قال: وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسناً وكبراً، وكان يمنع ظهره والّلجام والسرج، وقد كان جمع عليه الراضة [المروّضون] فلم يمكن لهم حيلة في ركوبه، قال: فقال له بعض ندمائه: يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن بن الرضا حتى يجيئ فإمّا أن يركبه وإمّا أن يقتله فتستريح منه، قال: فبعث إلى أبي محمد [العسكري “ع”] ومضى معه أبي فقال أبي: لمّا دخل أبو محمد [العسكري “ع”] الدار كنت معه، فنظر أبو محمد إلى البغل واقفاً في صحن الدار، فعدل إليه فوشع بيده على كفله، قال فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه، ثمّ صار إلى المستعين، فسلّم عليه فرحّب به وقرّب، فقال: يا أبا محمد ألجم هذا البغل، فقال أبو محمد [العسكري “ع”] لأبي: ألجمه يا غلام، فقال المستعين: ألجمه أنت، فوضع طيلسانه ثم قام فألجمه ثم رجع إلى مجلسه وقعد. فقال له: يا أبا محمد أسرجه، فقال لأبي: يا غلام أسرجه، فقال: أسرجه أنت، فقام ثانية فأسرجه ورجع. فقال له: ترى أن تركبه؟ فقال: نعم، فركبه من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار، ثمّ حمله على الهملجة فمشى أحسن مشي يكون، ثمّ رجع ونزل فقال له المستعين: يا أبا محمد كيف رأيته قال: يا أمير المؤمنين ما رأيت مثله حسناً وفراهةً، وما يصلح أن يكون مثله إلّا لأمير المؤمنين. قال: فقال: يا أبا محمد فإنّ أمير المؤمنين قد حملك عليه، فقال أبو محمد لأبي: يا غلام خذه، فأخذه أبي فقاده». [الكافي: ج1، ص507].
#وبعد أن اعتلت الصّلوات أرجاء المسجد همست في إذن النّجاشي الّذي كان جالساً على يسارك: من المتكلّم الّذي على المنبر؟ فأخبرك إنّه: «علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان، يُكنى أبا الحسن، ثقة، عين، له‏ كتاب أخبار القائم» [النّجاشي: ص260].
#فالتفتّ إلى الكليني الّذي كان جالساً على يمينك يدوّن ما سمعه من شيخ علّان فقلت له: شيخنا الكريم إنّ ظاهر الحكاية الّتي نقلها شيخكم علّان إنّها حصلت في زمان إمامة الحسن العسكري “ع” وبعد وفاة أبيه الهادي “ع”، والّتي سمعته منك أنت ومن غيرك أيضاً إنّ وفاة الهادي “ع” كانت في شهر جمادي الآخرة سنة: “254هـ” [الكافي: ج1، ص497]، لكنّ الثّابت تاريخيّاً يا شيخنا الكليني إنّ خلافة المستعين بالله قد انتهت بخلعه سنة: “252هـ” [الطّبري: ج9، ص348]، فلا أدري يا شيخنا الكليني:
#هل يعلم شيخكم علّان بذلك أم إنّه أرسل الرّواية على بسطاء النّاس دون أن يعرف بحقيقة الأمر؟! أ لم يكن الأجدر به وبكم أيضاً يا شيخنا الكريم أن تسجّلوا ولو حاشية بسيطة في كتبكم وتقولوا: إنّ هذه الرّواية ـ بغضّ الطّرف عن مضمونها الأسطوري وبغضّ الطّرف عن ضعف ومجهوليّة رجال أسانيدها ـ لا تتوافق مع الوقائع التّاريخيّة؟! فلماذا غرّرتم بالنّاس يا شيخنا الكريم ومرّرتم مقولات عقائديّة هامّة عن طريق أمثال هذه الرّوايات وها نحن بعد قرون ندفع ضريبة ذلك من وعينا ودمائنا؟! وهل إنّ أخبار القائم الّذي كتب فيها شيخكم علّان كتاباً من هذا القبيل أيضاً والنّاس تسمع وتصدح بالصّلوات دون أن تعلم الحقيقة؟!… خرجت من المسجد والكليني يهرول خلفك ويقول: لا تثريت عليك: «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم‏» [الكافي: ج1، ص9]، فهل عرفتم مثالاً بسيطاً لآليّات تمرير #بعض المقولات العقائديّة في تلك الأزمنة؟! فتدبّر!!
#قال المجلسي في مرآة العقول بعد أن حكم بمجهوليّة الرّواية سنديّاً: «الظّاهر أنّ هذه الواقعة كانت في أيام إمامة أبي محمد [العسكري] بعد وفاة أبيه “ع” وهما كانتا في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين كما ذكره الكليني وغيره، فكيف يمكن أن يكون هذه في زمان المستعين، فلا بدّ إمّا من تصحيف المعتز بالمستعين، وهما متقاربان صورة، أو تصحيف أبي الحسن بالحسن، والأول أظهر؛ للتّصريح بأبي محمد في مواضع، وكون ذلك قبل إمامته “ع” في حياة والده “ع” وإن كان ممكناً لكنه بعيد» [مرآة العقول: ج6، ص151].
#المهدويّة_الإثنا_عشريّة
#ميثاق_العسر