#السّياق هو: الإطار العامّ الذي يهدف المتحدّث إيصاله إلى المستمع بمفردات وجُمل متتابعة ومتراتبة؛ بحيث إن خروج المتحدّث عن هذا الإطار يتجلّى بوضوح لدى مستمع كلامه، ومن خلال السّياق تُعرف مرامات ومرادات المتكلّم في حديثه وكتاباته، ولكن هل يمكن أن نعرف مرامات ومرادات القرآن الكريم من خلال سياق آياته؟! #والجّواب: لا شكّ في إمكانيّة ذلك […]
#السّياق هو: الإطار العامّ الذي يهدف المتحدّث إيصاله إلى المستمع بمفردات وجُمل متتابعة ومتراتبة؛ بحيث إن خروج المتحدّث عن هذا الإطار يتجلّى بوضوح لدى مستمع كلامه، ومن خلال السّياق تُعرف مرامات ومرادات المتكلّم في حديثه وكتاباته، ولكن هل يمكن أن نعرف مرامات ومرادات القرآن الكريم من خلال سياق آياته؟!
#والجّواب: لا شكّ في إمكانيّة ذلك من حيث المبدأ، ولكن: حيث إنّ القرآن الكريم الّذي نزل متفرّقاً على مدى أكثر من عشرين سنة في مناسبات مختلفة وأسباب متنوّعة لم يُجمع على أساس هذه المناسبات والأسباب فلا يمكن حينذاك التمسّك بالسّياق القرآني الموجود لأجل إثبات مرامات القرآن ومراداته؛ إلّا أن يثبت ذلك بدليل.
#والكلام في سياق نفس الآية ربّما يكون سهل المؤونة؛ إذ لم يقع عندهم بحث حسب الظّاهر في إنّ سياق نفس الآية يمكن الالتزام بحجّيّته وإن شكّك بعضهم في إقحام بعض أجزاء الآية في وسط آية كبيرة كآية التّطهير مثلاً وطرح آخرون قصّة إنّ المورد لا يخصّص الوارد للخروج من وطأة الالتزام بلوازم ذلك، ولكن الكلام كلّ الكلام في سياق مجموعة آيات تتحدّث عن واقعة معيّنة، ومع إغماض الطّرف عن جميع البحوث التخصّصيّة الّتي تُطرح في أمثال هذه المسائل والّتي لا يسع المجال لذكرها لكنّا نتساءل: #هل يمكن إثبات مرامات ومرادات القرآن الكريم من خلال مراجعة سياق آية الخمس المعروفة أم لا يمكن ذلك؟!
#يحتمل بعض فقهاء الشّيعة: إنّنا وإن آمنا بأنّ جمع القرآن لم يكن على أساس تاريخ النّزول بالجّزم والقطع واليقين، ولكن هناك آيات يمكن الجزم والقطع واليقين بكونها بسياقها الحالي على أساس تاريخ النّزول، ومن هذه الآيات هي آية الخمس المعروفة، بل نفس الآية فضلاً عمّا قبلها وما بعدها تدلّ على ذلك، وبالتّالي فهذا السّياق يشكّل قرينة واضحة وجليّة على اختصاصها بغنائم دار الحرب.
#قال الفقيه كاظم الحائري: «تعارف لدى الشّيعة إدخال ذلك [أي الخمس الشّيعي] في عنوان الغنيمة الواردة في الآية المباركة: “واعلموا أنّ ما غنمتم من شيء…” رغم وضوح ورودها في سياق غنيمة الحرب بدعوى: إنّ المورد لا يخصّص الوارد…» [مباني فتاوى في الأموال العامّة: ص225].
#بيان ذلك: إذا رجعنا إلى الآيات “من 39 وحتّى 45” من سورة الأنفال نجدها تتحدّث بوضوح عن الحرب والقتال، حيث قال تعالى: “وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين كُلّه لله، فإن انتهوا فإنّ الله بما يعملون بصير [39] وإن تولّوا فاعلموا أنّ الله مولاكم نعم المولى ونعم النّصير [40] واعلموا إنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خُمسه وللرسول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، يوم التقى الجّمعان، والله على كلّ شيء قدير [41] إذ أنتم بالعدوة الدُنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم، ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة، وإنّ الله لسميع عليم (42) إذ يُريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر، ولكن الله سلّم إنّه عليمٌ بذات الصّدور [43] وإذ يُريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويُقلّلكم في أعينهم؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وإلى الله تُرجع الأمور” [44 من سورة الأنفال].
#وهذه الآيات ـ بل نفس الآية أيضاً ـ تصرخ بأعلى صوتها بقرينة السّياق: إنّ الغنيمة في الآية تختصّ بغنائم دار الحرب حتّى لو ذهبنا إلى إنّ الغنيمة لغة لا تختصّ بذلك، وإن بيّنا في المقالات السّابقة إن الغنيمة الّلغويّة لا تشمل الخمس الشّيعي أيضاً، لكن لماذا يُصرّ فقهاء الشيعة على عمومها لذلك؟!
#يبدو: إنّ سبب ذلك هو بعض النّصوص الروائيّة الّتي فسّرت الغنيمة في الآية بنحو يشمل الخمس الشّيعي أي خمس الأرباح، وأهمّ هذه النّصوص وأصحّها سنداً عندهم هي صحيحة علي بن مهزيار المعروفة والّتي أشرنا إليها في المقالات السّابقة، وأوضحنا كيف إنّ بعض الفقهاء أعرض عنها لعدم استطاعته أن يتجاوز ما يتراءى فيها من تناقضات متنيّة كثيرة، فضلاً عن تأمّلاتنا الواقعيّة في سندها، فما هو المصير حينذاك؟!
#الخمس_الشّيعي