الرّفسنجاني المعمّم المتنوّر

13 يناير 2017
1974

#شخّص المرحوم الرفسنجاني مشكلة الحوزة العلميّة المعاصرة وسبب ابتعاد النّاس عنها بدقائق قليلة مقدّماً اقتراحات في هذا الشأن؛ وإكراماً لروحه الكريمة وقد ضمّ التّراب بدنه أترجم لكم مقطعاً من محاضرة فارسيّة له تحدّث فيها عن همومنا وآلامنا كطلّاب حوزة علميّة، مكبّلين بسيرة أسلافنا وقيودهم الصّارمة، ومتى الخلاص لا أدري؟!
#جاء في محاضرته ما ترجمته بقلمي:
«ذهبت ذات مرّة لإلقاء محاضرة في الحوزة العلميّة في مدينة قم، وكان هناك الكثير من العلماء وطلّاب الحوزة العلميّة، وقد قلت حينها: إنّ الاجتهاد بمعناه التّقليدي لا قابليّة فيه للإجابة على الاستحقاقات المعاصرة، نعم يمتلك هذه الّلون من الاجتهاد قابليّة لإجابة تلك الاستحقاقات القديمة أعني: الأحكام الشخصيّة، والأحكام الخاصّة بين العبد وربّه، وأحكام الأسرة… وما شابهها من أمور، وكلّنا نعرف هذه الأحكام ونقولها للنّاس أيضاً.
#ولكن حينما ندخل في دائرة الأحكام الأساسيّة في الاقتصاد والتّقنيّات والطّب والصناعة والاتّصالات العالميّة فإنّ أحكام هذه الدّوائر لا يمكن من خلال هذه الدّروس التقليديّة الّتي ندرسها ونصل إلى الاجتهاد عن طريقها أن نقّدم فيها فتاوى على إنّها صادرة من مجتهد ويُقهر النّاس على الالتزام بها، فهذا الأمر لا يمكن أن يكون، وعلينا التّفكير في حلّ لهذه المسألة.
#وقد اقترحت اقتراحاً حينها بموازاة عمل الحوزة التقليدي الّذي هو ضروريّ في تربية العلماء وتعليمهم وتطويرهم، وقلت: إذا أردنا أن نتوقّع من الحكومة الإسلاميّة أن تطيع أوامر الحوزة ومراجع التّقليد فلا بدّ أن يكون اجتهادنا حينئذ متناسباً مع احتياجات هذه الحكومة ومتطلّباتها، ونستطيع أن نقدّم فتاوى متناسبة بالنّسبة لها، وهذا الأمر لن يكون إلّا إذا دشّنا جامعة تجمع جميع التّخصّصات العالميّة الكثيرة في بلدنا، نشترط في الطّلاب الّذين يدخلون فيها أن يكون من حملة الاجتهاد المتجزئ على أقل تقدير، أيّ إنّهم أتمّموا مرحلة السّطوح في الحوزة وقرأوا دورة في بحث الخّارج أيضاً، فيقرأوا هذه العلوم على طريقة الدّراسات العليا وتقدّم رسائل وأطاريح نهائيّة يثبت من خلالها الطّلاب دراستهم للتّخصص الّذي قُبلوا فيه واجتهادهم في هذا التخصّص العالمي أيضاً.
#فإذا استطعنا أن نوجد حوزة علميّة بهذه المواصفات بموازاة حوزتنا التقليديّة فيمكننا حينذاك توقّع أن يكون لنا حقّ إبداء الرأي تجاه القوانين الّتي تقرّرها الحكومات والبرلمانات المتعاقبة، إمّا تأييداً أو نقضاً للحيلولة دون تمريرها، وبدون هذه المحاولة فلا حضور لنا في تلك المواطن فماذا نريد أن نصنع؟!
#فهناك قوانين طّبيّة لا يمكننا أن نشخّص أصلاً حلالها من حرامها ووجوبها من حرمتها أصلاً وكذا كثير من الأمور الأخرى، والأمر كذلك في القوانين الاقتصاديّة؛ فإن الاقتصاد من أعقد العلوم المعاصرة، وحينما ندخل في الفضاء والبحار والسّماء والأرض… ونريد أن نقدّم فتاوى فماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ وفي العلاقات الدّوليّة نريد أن نتحدّث، وفي الحدود الدوليّة أيضاً، في التجسّس مع هذه الأقمار الاصطناعيّة الّتي أسقطت الحواجز والقيود تماماً بحيث يرى أصحابها كلّ شيء، أجل فالأوضاع والظّروف تتغيّر يوماً بعد يوم تغيّراً كليّاً مع ازدياد.
#ولم يبدي أحدّ من الأخوة حينها ممانعة حول هذا الموضوع بل اجتمعوا بعد ذلك السّادة مباشرة لتدارس هذا الموضوع واقترحت إدارة حرم السيّدة معصومة ع تحمّل مسؤوليّة هذا العمل في قم ودفع تكاليفه أيضاً، كما جاء الشّيخ الطّبسي إلى مجلس الخبراء باعتباره مسؤولاً عن الرّوضة الرضويّة وأخبرنا إن لديهم جامعة وطلب أن توكل لهم مهمّة هذا القسم… وجاء غيرهم أيضاً، والجّميع أبدى استعداده ولم يختلف في ضرورة هذا الموضوع أحد، ولكن حينما انتهت دورتي الرئاسيّة فلم يستمرّ الحديث في هذا الموضوع.
#انا اعتقد إنّ علينا كرجال دين أن نوجد طريقاً أفضل لمستقبلنا إذا أردنا للحوزة والإسلام أن يكون لهم حضور واقعي وجدّي في حياة الأمّة، كما كان هذا الأمر لرسول الله “ص”» [انتهى ما أفاده المرحوم الهاشمي الرّفسنجاني].


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...