#للدّيالمة البويهيّين عادات وممارسات خاصّة في إظهار الحزن والعزاء على موتاهم كما نصّ على ذلك من كتب عنهم واحتكّ بهم، وحينما تسنّم هؤلاء السّلطة في أيّام التأصيل المذهبي للمقولات الشّيعيّة تمكّنوا من إدخال عاداتهم وممارساتهم إلى عمق الدّوائر المذهبيّة بمختلف صنوفها، حتّى أصبحت هذه العادات جزءاً لا يتجزأ من الطّقوس العاشوريّة في أيّامنا، وإذا ما سألت المعنيّين عن مشروعيّة هذه الممارسات أسمعوك الجّواب الجّاهز والمكرّر الّذي لا يمتلكون غيره: «إنّها داخلة تحت عموم أدلّة استحباب الجّزع على أبي عبد الله الحسين “ع”»:
#قال ابن كثير “701ـ774هـ” في البداية والنّهاية: « ثمّ دخلت سنة ثنتين وخمسين وثلثمائة في عاشر المحرّم من هذه السّنة، أمر معزّ الدّولة بن بويه “قبّحه الله” أن تُغلق الأسواق، وأن يلبس النساء المسوح [الكساء] من الشعر، وأن يخرجن في الأسواق حاسرات عن وجوههن، ناشرات شع ورهن، يلطُمن وجوههنّ على الحسين بن عليّ، ولم يُمكِن أهل السُنّة منع ذلك لكثرة الشّيعة وظهورهم، وكون السّلطان معهم. وفي ثامن عشر من ذي الحجّة منها أمر معزّ الدّولة بن بويه بإظهار الزّينة في بغداد، وأن تُفتح الأسواق بالّليل كما في الأعياد، وأن تُضرب الدبادب والبوقات، وأن تُشعل النّيران بأبواب الأمراء وعند الشُرط؛ فرحاً بعيد الغدير، فكان وقتاً عجيباً ويوماً مشهوداً، وبدعة ظاهرة منكرة» [البداية والنهاية، ابن كثير: ج15، ص261].
#ومن المناسب التّذكير بنقطتين عاجلتين تقدّم الحديث فيهما سلفاً:
#الأولى: إنّ السّبب الأساس الّذي كان يسوّقه السّفراء الأربعة لغيبة المهدي “ع” في أثناء ما يُصطلح عليها بالغيبة الصّغرى والّتي انتهت في سنة: “329هـ” هو: خوفه “ع” من القتل!! مع إنّ النّص أعلاه يكشف عن عصر ذهبيّ كانت الشّيعة تمارس فيه طقوسها ويؤصّل علماؤها للمقولات المذهبيّة برعاية السّلطان.
#الثّانية: قيل للمرحوم الصّدوق في أثناء زيارته بغداد عام: “355هـ”: «إنّ الغيبة قد طالت، والحيرة قد اشتدّت، وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فكيف هذا؟!»، فأجاب بالجّواب الّذي يُكرّره جلّ من جاء بعده حتّى اليوم حيث المقارنة بين غيبة المهدي “ع” وبين غيبة نبي الله موسى عن قومه عشر ليالٍ إضافيّة؛ فحيث إنّ قوم موسى استطالوا المدّة القصيرة فقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربّهم ونبيّه وعصوا خليفته وعبدوا العجل… «فليس بعجيب أن يستطيل الجهال من هذه الأمة مدة غيبة صاحب زماننا “ع” ويرجع كثير منهم عمّا كانوا دخلوا فيه بغير أصلٍ وبصيرةٍ [!!]»، وهذا يعني إنّ هذه الأجوبة التّسكينيّة الّتي طرحها المرحوم الصّدوق كانت في أيّام التأصيل المذهبي وتحت رعاية الواقع الشّيعي الّذي ينبغي البحث عن تبرير معرفي له بمختلف الطّرائق والصّياغات.