#هناك أدلّة وشواهد كثيرة تدلّ على عدم صحّة انتساب الجّزء الثّاني من إرشاد القلوب إلى المرحوم الدّيلمي والّتي سنتعرّض لبعضها ـ كما وعدنا ـ لاحقاً، ولكن في قبال هذا الرأي نجد إن الواقع الفقهي والمنبري والمؤسّساتي للأسف الشّديد أرسل نسبة هذا الكتاب إلى الدّيلمي إرسال المسلّمات، واستند إليه في طرح فتاوى فقهيّة ومقولات عقائديّة كما […]
#هناك أدلّة وشواهد كثيرة تدلّ على عدم صحّة انتساب الجّزء الثّاني من إرشاد القلوب إلى المرحوم الدّيلمي والّتي سنتعرّض لبعضها ـ كما وعدنا ـ لاحقاً، ولكن في قبال هذا الرأي نجد إن الواقع الفقهي والمنبري والمؤسّساتي للأسف الشّديد أرسل نسبة هذا الكتاب إلى الدّيلمي إرسال المسلّمات، واستند إليه في طرح فتاوى فقهيّة ومقولات عقائديّة كما وثّقنا ذلك مفصّلاً فيما مضى، وقد وجدت من المستحسن أن أقف على أحد أهمّ أدلّتهم على ذلك لنعرف قيمتها ومدى إمكانيّة التّصديق بها.
#يقولون: إنّ المحدّث الكبير الحرّ العاملي قد استند على كتاب إرشاد القلوب وعدّه من الكتب المعتبرة، ونصّ على إنّه يقع في جزئين، وهذا شاهد حتميّ وجزميّ على إنّ الجّزء الثّاني المتداول هو للدّيلمي ولا مجال للمناقشة في ذلك!! ولكي نعمّق هذا الاستدلال ونكون موضوعيّين في مناقشته لاحقاً علينا أن نرجع إلى نصوص الحرّ العاملي في كتابيه وسائل الشّيعية وتذكرة المتبحّرين لنقرأ ما طرحه نصّاً هناك، ونعود بعد ذلك لتقييمها:
#نصّ الحرّ العاملي في الفائدة الرّابعة من خاتمة الوسائل على ما يلي: «الفائدة الرابعة: في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب، وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلفيها، أو علمت صحّة نسبتها إليهم، بحيث لم يبق فيها شكّ ولا ريب؛ كوجودها بخطوط أكابر العلماء؛ وتكرّر ذكرها في مصنفاتهم؛ وشهادتهم بنسبتها؛ وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة؛ أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة؛ وغير ذلك، وهي…[ ويبدأ بعدّ الكتب إلى أن يصل إلى الكتاب الثّامن والأربعين] الإرشاد: للديلمي، الحسن بن محمد»؛ كما نصّ في كتابه الآخر: «تذكرة المتبحّرين في العلماء المتأخّرين» في ترجمة الدّيلمي قائلاً: «كان فاضلاً محدّثاً صالحاً، له كتاب إرشاد القلوب، مجلدان» [وسائل الشّيعة: ج30، ص151ـ 157]. [ أمل الآمل: ج2، ص77].
#وكعادتي لا أريد أن أوجه الاتّهام لمحدّث كبير كالحرّ العاملي من دون دليل لأقع في مواجهة غير متكافئة الأطراف جزماً، لكنّي سأترك المجال لمحدّث كبير مثله وهو الميزرا النّوري صاحب مستدرك الوسائل ليناقشه في هذا الموضوع، وللقارئ الخيار حينذاك في التّصديق بأيّ منهما بعد خلع النّظارة المذهبيّة؛ فقد بدأ المحدّث النّوري بذكر أمثلة نقضيّة على ما كتبه الحرّ العاملي في الفائدة الرّابعة من دعوى عدم اعتماده على كتاب لا توجد فيه تلك المواصفات؛ فهذا كتاب تحف العقول الّذي عدّه الحرّ من المصادر المعتبرة الّتي تتوفّر فيها تلك الشّروط وقام بإكثار النّقل عنه مع أنّ ليس لمصنّفه ولا لكتابه ذكر في مؤلّفات أصحابنا قبله سوى ما ذكره القطيفي في رسالة الفرقة النّاجية، فكيف ادّعى صاحب الوسائل عدم اعتماده إلّا على الكتب المعتبرة…إلخ؟!
#ولم يقتصر المحدّث النّوري على النّقض بكتاب تحف العقول، بل أضاف محلّ الشّاهد أيضاً وقال: «ومثله في عدم الذّكر والجّهالة الحسن بن أبي الحسن الدّيلمي وكتبه سيّما إرشاد القلوب الّذي أكثر من النقل عنه، وعدّه من الكتب المعتمدة التي نقل منها، وشهد بصحّتها مؤلّفوها، و ليس له أيضاً ذكر فيما وصل إليه وإلينا من مؤلّفات أصحابنا سوى ما نقله عنه الشيخ ابن فهد في عدّة الداعي في بعض المواضع بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي، فمن أين عرفه، وعرف وثاقته، وعرف نسبة الكتاب إليه وشهادته بصحّته؟ فهل هذا إلّا تهافت في المذاق، وتناقض في المسلك! وإن كانت المسامحة فيهما لعدم اشتمالهما على فروع الأحكام، واقتصارهما غالباً على ما يتعلّق بالأخلاق والفضائل والمواعظ، فهلّا كانت شهادة هؤلاء الأجلّة على صحّة المصباح [يعني مصباح الشّريعة ومفتاح الحقيقة]، كافية في عدّه ثالثاً لهما! فإنّه أيضاً مثلهما…» [خاتمة المستدرك: ج1، ص209].
#وأخيراً: لا أشكّ في أن النّظارة المذهبيّة المقيتة تجبر الإنسان في بعض الأحيان على التّخلي عن الضّوابط المنهجيّة والعلميّة الّتي اختطّها بنفسه، وربّما لا تكون هناك مشكلة في البين حينما لا تترتّب على ذلك نتائج خطيرة، ولكن أن تُملأ الرّسائل العمليّة للمراجع والفقهاء المعاصرين بكلام ليس له مصدر سوى هذا الكتاب المجهول فهذا ما لا يمكن تبريره، وفي عقيدتي إنّ الحرّ العاملي يتحمّل جزءاً كبيراً من هذه المسؤوليّة مضافاً إلى المجلسي، ويتحمّل الجّزء الآخر من ذلك إهمال أو تغاضي الفقهاء والمراجع عن متابعة ذلك وتحرّيه، والله من وراء القصد.