جاء في عيون أخبار الإمام الرضا “ع” للشيخ الصدوق: إن المأمون بعث إلى أبي الحسن الرضا “ع” جاريةً ، فلمّا أُدخلت إليه اشمأزت من الشيب [الذي فيه] ، فلما رأى كراهتها ردّها إلى المأمون، وكتب إليه بهذه الأبيات :
#نعى نفسي إلى نفسي المشيب * وعند الشيب يتعظ اللبيبُ
#فقد ولّى الشبابُ إلى مداه * فلستُ أرى مواضعه تؤوبُ
#سأبكيهِ وأندبهُ طويلاً * وأدعوه إليّ عسى يجيبُ
#وهيهات الذي قد فاتَ منه * تُمنيني به النفس الكذوبُ
#وراع الغانيات بياض رأسي * ومن مدّ البقاء له يشيبُ
#أرى البيض الحسان يحدن عني * وفي هجرانهن لنا نصيبُ
#فإن يكن الشباب مضى حبيباً * فإنّ الشيب أيضا لي حبيبُ
#سأصحبه بتقوى الله حتى * يُفرق بيننا الأجل القريبُ [ج2، ص178].
#أقول: حينما ينطلق الباحث من مجموعة من القبليّات الكلاميّة والأصوليّة والمذهبيّة تجده مضطراً للانطلاق من نظريّة المؤامرة في تفسير هذه الحادثة التي قد تكون عفويّة، وإنّ هدف المأمون منها وضع الإمام تحت المراقبة لتمهيد الطريق للقضاء عليه بأساليبه الخاصّة؛ وذلك لأن المأمون أرسل ذاك مرّة وصيفاً لسمّ الطاهر بن الحسين مثلاً!! ولست أدري أ لم يكن بمقدور المأمون أن يرسل إلى الإمام جارية تتلائم طباعها مع شيبته المباركة مثلاً؟! وما دام الموضوع مؤامرة فما الذي أجبر الإمام “روحي فداه” أن يكتب شعراً عن اشمئزاز الجارية حين رؤية شيبته؟! #ولماذا لم يتصنّع الإمام للنساء بالخضاب وهو الذي قال للعبّاس بن موسى الورّاق: إن قوماً دخلوا على جدّي الباقر “ع” فرأوه مختضباً، وحينما سألوه عن السبب أجابهم: إنّي رجل أحب النساء واتصنّع لهنّ بذلك!! [الكافي، ج6، ص480].
#اعتقد بأنّا بحاجة إلى “إعادة ركلجة” كثير من المقولات الكلاميّة والأصوليّة والمذهبيّة لمذهبنا وموضعتها في الاتّجاه الصحيح؛ فإنّ إثبات وصف الإمامة ودرجاتها المتعالية للإمام لا يعني المصير إلى فقدانه خصائصه البشريّة الطبيعيّة، وإلّا فإن ذلك سيسلب قيمته في تميّزه عن بقيّة أفراد البشر، على إنّنا إذا أردنا أن نحاجج مثل هذه الرواية بمقاييس علم الرجال “الفقهي” فهي من صنف الضعيف كما يقال؛ لأنّ راويها المباشر مجهول ولم ترد له في المجاميع الحديثيّة رواية غيرها كما يقولون، والله من وراء القصد.