الاختلاف البشري بين عليّ ونجله الحسن!!

لا يمكن أن نفهم الأسباب الحقيقيّة لمهادنة الحسن بن عليّ مع معاوية بن أبي سفيان ما لم نفهم أساس التّحفّظات العميقة والبالغة الّتي سجّلها الحسن على أداء والده عليّ بن أبي طالب من أيّام محاصرة واغتيال الخليفة عثمان بن عفّان المقتول سنة: “35هـ”، مروراً ببيعته على الخلافة، وحتّى مسيره إلى البصرة ومن ثمّ معركة الجمل المعروفة؛ فهذه التّحفّظات تكشف لنا بوضوح اختلاف الرّؤية والمنهج بين الاثنين، بعيداً عن حكاية الإمامة الإلهيّة والعصمة وتفرّعاتهما، أو وهم تنوّع الأدوار ووحدة الهدف المنبثق منهما.

إذ روى نقلة الأخبار صحيحاً ومعتبراً وفق موازين صنعة الحديث عند علماء الإسلام أنّ عليّاً كان قد خرج إلى الرّبذة بعد مقتل عثمان تمهيداً لمواجهة طلحة والزّبير، جاءه الحسن نجله الّذي نيّف على الثّلاثين حينها فبكى بين يديه، فقال له: ما بالك؟! قال: أبكي لقتلك غداً بمضيعة ولا ناصر لك؛ فقد أمرتك فعصيتني، ثمّ أمرتك فعصيتني، فقال عليّ: لا تزال تخنّ خنين الجارية، ما الّذي أمرتني به فعصيتك؟! فقال: أمرتك حين أحاط النّاس بعثمان أن تعتزل؛ فإنّ النّاس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتّى يبايعوك، فلم تفعل، ثمّ أمرتك لمّا قُتل عثمان ألّا توافقهم على البيعة حتّى يجتمع النّاس ويأتيك وفود العرب فلم تفعل، ثمّ خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألّا تخرج من المدينة وأن تدعهم وشأنهم فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك و إلّا رضيت بقضاء الله…».

وبمعزل عن الإضافات المذهبيّة الّتي حصلت في إجابة عليّ لنجله الحسن لأصل هذه الاعتراضات، وبغضّ الطّرف أيضاً عن توظيف مفردة “أمرتك” والّتي نقلها أو لطّفها مشايخ الطّائفة بمفردة “سألتك”، إلّا أنّ أصل هذه الحادثة قد أخرجها واعتمدها كثيرون بنحو لا يسمح للباحث المحايد التّشكيك في أصل وقوعها إلّا على أساس أوهام العصمة وأضرابها، ولعلّ ما حصل من هدنة ومصالحة ومبايعة لمعاوية بعد مقتل عليّ أوضح شاهدٍ ومنبّهٍ على سياسة الحسن المختلفة تماماً عن سياسة أبيه بل وحتّى عن شقيقه الحسين مهما تمحّل المتمحّلون، سياسة تقديم طلب العافية للنّفس والأمّة على زّجها في معارك قد لا تخلّف غير أنهار من الدّماء مهما كانت منطلقة من أهداف سامية عند دُعاتها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3755047944617502