ابتذال الألقاب الحوزويّة ظاهرة تجهيل مخيفة!!

#حرص المرحوم محسن الأمين على تكرار الدّعوة إلى نقد كتابه في آخر كلّ جزء من أجزاء كتابه المعروف: “أعيان الشّيعة” تقريباً، ووعد ـ ونفّذ أيضاً ـ بنشر كلّ نقد له بل وتصحيح ما يدعو النقد إليه إذا كان موضوعيّاً؛ حيث قال مثلاً: «قلنا ولا زلنا نقول: إنّ كلّ انتقاد لكتابنا ندرجه لصاحبه مع الشّكر إن وجدناه صواباً وبالله التّوفيق» [أعيان الشّيعة: ج3، ص680]، وفي هذا السّياق كتب له النّسّابة المعاصر المرحوم المرعشي النّجفي رسالة اعتراض عن سبب إحجامه عن توصيف بعض الأعلام بكلمة تُشعر بتبجيله وتكريمه على أقل تقدير؟!
#فأجاب الأمين قائلاً: «أمّا عدم توصيفنا للأعلام بكلمات التّعظيم مثل العلّامة وحجّة الإسلام وأمثال ذلك ممّا اعتاده أهل الزّمان فلأنّا رأينا مثل هذه الكلمات قد ابتذلت وامتهنت واستعملها أهل العصر لكلّ أحد حتّى استعمل بعضهم في كتاب مطبوع كلمة العلّامة لمن هم من عوامّ النّاس وليسوا من أهل العلم، لذلك أمسكت عن وصف أحد بهذه الأوصاف المتعارفة، واقتصرت على وصف العظماء بما يُذكر في تراجمهم ممّا تحرّيت فيه الحقيقة بحسب الإمكان، وإن كان تحرّيها من جميع الوجوه خارجاً عن مقدور البشر».
#أقول: ما يشير إليه المرحوم الأمين مطلب في غاية الأهميّة وينبغي أخذه بعين الاعتبار والتّحلّي بالجرأة في ممارسته دون خوف سايكلوجيّ أو سوسيولوجي؛ فإنّ الابتذال المفرط في الألقاب الدّينيّة والعلميّة ظاهرة مهولة في واقعنا الحوزويّ بل الشّيعي عموماً لأسباب مرجعيّة ودعائيّة وسياسيّة أيضاً، حتّى وصل الحال ببعضنا إذا ما أراد أن يسخر ويهزأ بأحد فيصفه بوصف: “العلّامة” في بياناته أو تأبيناته، وهذا من الغرائب!!
#ولهذا أنصح جميع الأخوة الباحثين في حوزاتنا العلميّة والمثقّفين في عموم حواضرنا الشّيعيّة ـ وأنا أقلّهم علماً وفهماً ـ أن يتبعدوا عن لغة ومفردات: الأعلى؛ الكبير؛ المولى المقدّس؛ مجدّد الحوزة؛ الإمام، الولي…إلخ في بحوثهم العلميّة؛ فإنّ هذه الألقاب ـ رغم كونها خلاف قواعد كتابة البحوث والأطاريح العلميّة ـ تُغلق مسارات النّقد أمام الباحث الجاد وتؤسِّر ذهنه بأغلال وقيود كثيرة؛ وذلك لأنّا إذا وصفنا أحداً بوصف علميّ دينيّ كبير مقدّس قبل استعراض آرائه فكيف يمكن لنا أن نستوعب وجود ثغرات علميّة في كلامه بعد ذلك؟! على إنّ حذف الألقاب لا يعني عدم الاحترام أو الانتقاص منه لا سمح الله، بل لأجل الحفاظ على قيمة العلم والعقل وديمومتهما وسيادتهما، والله من وراء القصد.