إصلاح المنبر الحسيني بين الخطيب اليعقوبي والمظفّر!!

#أطلقت مجلّة الهاتف العراقيّة دعوة في ثلاثينات القرن المنصرم تروم إصلاح الوضع التّعليمي لخطباء المنبر الحسيني؛ حيث كان أغلبهم ـ على حدّ تعبير رئيس تحرير المجلّة جعفر الخليلي [صاحب كتاب هكذا عرفتهم] ـ غير جدير بارتقاء هذه المنابر من حيث القابليّة والملكات، بل إنّ جُلّهم لم يكن يعرف حتّى النحو والصرف والملكات والدّراسة، فلقيت هذه الدعوى من جمعيّة منتدى النشر صدى حسناً، بل وفعّاليّة محسوسة من قبل المرحوم محمد رضا المظفّر والشّيخ محمد الشّريعة، كما كان من أنشط العاملين في حلبة الإصلاح والدّعوة إلى تأييد فكرة المنتدى الخطيب السيّد جواد شبّر [صاحب كتاب أدب الطفّ]، وقد فتحت جمعيّة منتدى النشر صفّاً خاصّاً لتعليم الخطباء. [هكذا عرفتهم: ج2، ص159].
#لكن المعارضة لهذا المشروع قامت قيامتها، فحرّكوا عوامّ النّاس للتّطاول على كرامة منتدى النشر وأعضائه ليخرجوهم من الدّين والملّة، وضغطوا على الجّميع في سبيل إقصائه… لكن أ تعلمون من هو رأس حربة المعارضة في ذلك الوقت؟!
#أجل؛ هو المرحوم الشّاعر والخطيب الشّيخ محمد علي بن الشّيخ يعقوب المعروف #باليعقوبي!! أمّا سبب ذلك فنترك المجال لصاحب كتاب «هكذا عرفتهم» ليخبرنا عن حقيقته حيث قال بعد أن ذكر محاسن المشروع الّذي أطلقته مجلّته الهاتف:
#وكنت قد حصلت من الإمام الشّيخ محمد الحسين كاشف الغطاء على فتوى بوجوب القيام بمثل هذا العمل وتأييد حركة التنسيق والتّشذيب والتّهذيب، فقامت هنالك قيامة المعارضة وتزعّمها اليعقوبي بداعي مقتضيات التّنافس لجمعيّة المنتدى وليس بداعي العقيدة؛ فاليعقوبي كان أعرف من غيره بوجوب إصلاح هؤلاء الخطباء، ولكنّه انجرف بتيّار المنافسة بشيء غير قليل من الحماس، وسعى لدى الإمام كاشف الغطاء، وحمله على سحب الفتوى منّي قبل نشرها في الهاتف». [المصدر السّابق، نفس المعطيات].
#لكن كيف رجعت العلاقة بين الخليلي واليعقوبي بعد القطيعة التّامة الّتي خلّفها هذا الموقف التّنافسي غير العقائدي على حدّ وصف الأوّل، لتكون خصومة اليعقوبي خصومة شريفة ويعادي الخليلي يعادي أعداء اليعقوبي ويكتب مقالات تهكّميّة ضدّهم في مجلّته وآثاره؟!
#نعم؛ بعد أن وقف اليعقوبي موقفاً عدائيّاً من مشاريع الإصلاح أعلاه يقول الخليلي: «ومن هنا زاد سوء التّفاهم بيننا رسوخاً، وفقدت الوجوه عند الالتقاء طابع الانشراح والبهجة، حتّى محا مرور الأيّام آخر أثر في النّفوس، وعادت الطّبيعة الأدبيّة الصافية إلى صفائها مرّة أخرى حين وقف اليعقوبي كشاهد في المحكمة الّتي أقيمت على جريدتي وقد كان سوء التّفاهم في أوجه يومذاك، أقول: لقد زال بعد ذلك من النّفوس كلّ شيء…» [المصدر السّابق نفسه].
#بلى؛ هكذا بدأت الحياة وهكذا تنتهي، ومن يريد الحقيقة عليه أن يعيش بواقعيّة ويفكّر بموضوعيّة، تاركاً التّقليد الأعمى جانباً، ومبتعداً عن مصالحه الشخصيّة ومكانته ووظيفته ومن يقف خلفها، هذا إذا أراد أن يقول كلمة الحقّ، وبإمكانه أن يبقى على المدرّجات متفرّجاً كما يفعل كثير منّا في بعض الأحيان؛ فقول الصّدق ليس واجباً كما يقولون، والله المُرشد والهادي إلى طريق الصّواب.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...