#أوضحنا فيما تقدّم من حلقات وجهة نظر المرحوم البهبوديّ الهادفة إلى افتراض إنّ أبا الحسن في الرّواية محلّ البحث إنّما هو عليّ بن يقطين، الوزير الشّيعي المعروف والمتموّل، لا عليّ بن موسى الرّضا “ع”، الإمام الثّامن من الأئمّة الإثني عشريّة المعروفين، وقد ساق مجموعة شواهد على مدّعاه، ومن المناسب أن نسلّط الضّوء في خاتمة هذه […]
#أوضحنا فيما تقدّم من حلقات وجهة نظر المرحوم البهبوديّ الهادفة إلى افتراض إنّ أبا الحسن في الرّواية محلّ البحث إنّما هو عليّ بن يقطين، الوزير الشّيعي المعروف والمتموّل، لا عليّ بن موسى الرّضا “ع”، الإمام الثّامن من الأئمّة الإثني عشريّة المعروفين، وقد ساق مجموعة شواهد على مدّعاه، ومن المناسب أن نسلّط الضّوء في خاتمة هذه السّلسلة على إجابة بعض ما يُتراءى من اعتراضات وإجابتها دفاعاً عن وجهة نظر البهبوديّ، ونختم الحديث في حلقة قادمة وأخيرة عن بعض النّتائج الّتي رتّبها المحدّثون والفقهاء الإثنا عشريّة على هذا الخطأ الجسيم فنقول:
#الأوّل: ذكر المرحوم البهبوديّ في الشّاهد الأوّل على مدّعاه إنّ الطّوسي أفاد في كتابه الغيبة إنّ رحيمة هي زوجة عليّ بن يقطين، لكنّنا لحظنا إنّ الوارد في نسخة الغيبة المطبوعة هو ما يلي: «أخبرتني رحيم أمّ ولد الحسين بن عليّ بن يقطين…»، وهذا يعني إنّها رحيم لا رحيمة، وإنّها أمّ ولد لنجله الحسين لا إنّها أمّ ولد عليّ بن يقطين، ومن هنا احتملنا في الحلقة الماضية إنّ هناك تصحيفاً وسقطاً في البين، أمّا التّصحيف فقد أشار له البهبودي في نصّ الرّواية المنقول عن الغيبة في البحار أثناء تحقيقه لها كما هي الطّبعة الحروفيّة المشهورة للبحار؛ حيث أضاف بعد قول الرّواية “رحيم”: “رحيمة” ووضعها بين معقوفتين، وكأنّه يُشير إلى وجهة نظره في هذا الخصوص والّتي شرحناها في الحلقة الماضية، وهو الخبير في النّسخ والأسانيد، وأمّا السّقط فستأتي الإشارة من قبلنا في النّقاط الّلاحقة.
#الثّاني: الرّاجح عندي ـ والله العالم ـ إنّ سبب الأخطاء الحاصلة في خبر اليقطينيّ في كتاب الغيبة هو الطّوسي نفسه؛ وذلك لأنّ النّصوص الّتي رواها محمّد بن عيسى اليقطينيّ في كتابه الّذي نقل منه الطّوسي ولو بالواسطة تتحدّث عن مآثر عليّ بن يقطين وإنجازات الأسرة، لكنّ الطّوسي أو واسطته في النّقل اقتطع هذا النّص من سياقه الطّبيعي ليدرجه في سياق الأخبار النّاصّة على إبطال دعوى الواقفة الّتي تذهب إلى عدم موت موسى الكاظم “ع”، وبحذف هذا السّياق سبّب ما سبّب من إرباك؛ فالعبارة في حقيقتها تتحدّث عن رحيمة أم الحسين نجل عليّ بن يقطين كما سنوضح في النّقاط الّلاحقة، وقد سعينا هناك لتوجيه هذا الشّاهد بإضافة ضمير إلى مفردة أم ولد لتكون أمّ ولده فراجع.
#الثّالث: رغم إيمان محقّقي خاتمة المستدرك المطبوع من قبل مؤسّسة آل البيت لإحياء التّراث بحقّانيّة تصحيح رواية الغيبة الّذي جعله اسم المرأة: رحيمة لا رحيم، لكنّهم اضطرّوا بسبب الرّواية محلّ البحث ـ ولو من باب الاحتمال وضيق الخناق ـ إلى افتراض وجود رحيم ورحيمة، وادّعوا: إنّ كلتيهما من جواري عليّ بن يقطين، ولكنّ: رحيم وقعت تحت يد الحسين نجله فكانت أمّ ولده، وإنّ رحيمة كانت ضمن الجواري الّتي أهداها ابن يقطين للكاظم “ع” بغية تزويج أولاده فكانت من حصّة الرّضا “ع” وهي المعنيّة بالرّواية محلّ البحث! [خاتمة المستدرك: ج22، ص146]، لكنّ مثل هذا الافتراض لا دليل عليه سوى رواية الطّوسي في الغيبة وروايته في التّهذيبين، والأولى: مصحّفة وخاطئة، والثّانية: تتحدّث عن عليّ بن يقطين لا عن عليّ بن موسى الرّضا “ع” كما أوضحنا.
#الرّابع: إنّ افتراض وجود زوجة للرّضا “ع” قد حصل عليها بهذا السّياق الّذي حكاه الكشّي أمرٌ يصعب تصوّر خفائه بحيث لا نلحظ ولا عالم تراجم أو أنساب واحد يعدّ اسم رحيمة كزوجة للرّضا “ع” خصوصاً لمن يقرأ سيرة أبيه الكاظم “ع” الّذي جنح نحو أمّهات الأولاد دون الحرائر، لذا نحتمل جدّاً إنّ رحيم أو رحيمة ليست زوجة للرّضا “ع” أصلاً حتّى وإن صحّ خبر الكشّي، وإن أبيت ذلك فقل: إنّ الرّضا “ع” تزوّج طليقة عليّ بن يقطين المسمّاة رحيمة؛ باعتبارها أحدى الحرائر الّتي أرسلها ابن يقطين للكاظم “ع” لتزويج أولاده مع مهرها أيضاً!!
#الخامس: الصّحيح في رواية الغيبة ولعدّة قرآئن منها الفهم الصّحيح لسند ومضمون الرّواية محلّ البحث: إنّ هناك سقطاً حصل في الضّمير كما حصل ذلك في رحيم الّتي هي رحيمة، وإنّ العبارة في حقيقتها كانت في سياق الحديث عن مآثر عليّ بن يقطين فجاء النّص بالنّحو التّالي: «أخبرتني “رحيمة” أمّ ولده الحسين بن عليّ بن يقطين…»، لا أنّ رحيم أو رحيمة هي أمّ ولد للحسين بن عليّ بن يقطين؛ بل هي زوجة عليّ بن يقطين، بل إنّ تعبير اليقطينيّ عنها بأنّها «حرّة» يكشف بوضوح عن إنّها لم تكن جارية أصلاً، وبذلك يسقط احتمال كونها أمّ ولد لنجل عليّ بن يقطين كما هي صيغة رواية الطّوسي المتداولة، بل هي أمّ ولده الحسين كما احتملنا، أي إنّ الضّمير في ولده يعود إلى عليّ بن يقطين فتكون زوجته لا إلى الحسين فتكون أمّ ولده، على إنّ طلب ابن يقطين من ابن أخيه تطليقها والإشهاد عليها وتمتيعها ـ كما في الرّواية محلّ البحث ـ يكشف بوضوح عن كونها حرّة؛ لأنّ الانفكاك عن أمّ الولد لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور كما هو واضح في بحوث الفقه.
#السّادس: تدعيماً لفرضيّة إنّ أبا الحسن الوارد في الرّواية محلّ البحث هو عليّ بن يقطين ننصح بمراجعة المرويّات الّتي أوردها الكشّي عن محمّد بن عيسى اليقطيني والّذي نقل هناك ما ينسجم مع مضمون الرّواية من دفع أبي الحسن مبالغ ماليّة لغرض الحجّ؛ حيث إنّ هذا الأمر كان عادة سنويّة له، حيث نقل هناك بسنده اليقطينيّ قوله: «زعم الحسين بن علي أنّه أحصى لعلي بن يقطين بعض السنين ثلاث مائة ملبٍّ [أي حاج ينوب عنه]، أو مائتين وخمسين ملبيّاً، وإن لم يكن يفوته من يحجّ عنه، وكان يُعطي بعضهم عشرة آلاف في كلّ سنة للحجّ، مثل الكاهلي، وعبد الرحمن بن الحجّاج وغيرهما، ويُعطي أدناهم ألف درهم، وسمعت من يحكي في أدناهم خمسمائة درهم، و كان أمره بالدخول في أعمالهم» [الكشّي: ج2، ص734].
#أتمنّى أن تكون هذه الشّواهد ـ وما تقدّم منها ـ كافية في إيضاح وتدعيم وجهة نظر المرحوم البهبوديّ القائلة: إنّ طريقة تدوين التّراث الإثني عشريّ حملت أخطاءً جسيمة ينبغي إيلاء عناية بالغة في سبيل كشفها، ومنها: الخلط بين كنية الرّاوي وكنية الإمام، الأمر الّذي ترتّب عليه نتائج عقائديّة وفقهيّة ورجاليّة مؤسفة كما سنتحدّث في الحلقة القادمة، فتدبّر، والله من وراء القصد.[يُتبع].
#ميثاق_العسر