أبو الحسن الوزير وأبو الحسن الإمام!! الحلقة الثّانية

#تنبّه المرحوم محمّد باقر البهبوديّ المتوفّى سنة: “2015م” إلى حلّ الإشكالين الجسيمين الموجودين في رّواية محمّد بن عيسى بن عبيد من خلال طرح شواهد جمّة على إنّ أبا الحسن الّذي أرسل الرّسالة ليس هو الرّضا “ع”، وإنّما هو عليّ بن يقطين عمّ والد محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين راوي الرّواية محلّ البحث، وإنّ هناك سقطاً في الأسناد يُتمّم بوالده وهو عيسى بن عبيد ليكون هو راوي الرّواية الأصلي، وبغية وضع القارئ في سياق البحث وإيضاح وجهة نظر المرحوم البهبوديّ نقول:
#على أساس سند هذا الرّواية الوارد في التّهذيب والاستبصار فإنّ محمدّ بن عيسى بن عبيد اليقطيني هو الرّاوي المباشر لهذه الرّواية، وهو من استلم رسالة أبي الحسن، وهو الّذي قام بإنجاز ما فيها من طلبات بعنوانه وكيلاً أو ممثّلاً، لكنّ الشّواهد العلميّة والقرآئن الفنّيّة تُثبت إنّ محمّد بن عيسى لا يمكن أن يكون الرّاوي الأوّل في هذه الرّواية، وإنّ من استلم رسالة أبي الحسن هو شخص آخر؛ وذلك لأنّ الوارد في الرّواية: «وحجّة لأخي موسى بن عبيد، وحجّة ليونس بن عبد الرّحمن…»، وهذا النّص صريح في إنّ من يتحدّث هو عيسى بن عبيد أخو موسى بن عبيد لا محمّد بن عيسى الّذي هو ابن أخ الأخير ونجل عيسى راوي الرّواية الأصلي حسب هذا التّوجيه.
#وأفاد المرحوم البهبودي وهو يذكر شواهده على مدّعاه: إنّ ما نقله ابن قولويه من إيراد جزء من الرّواية في كتابه كامل الزّيارات يعزّز هذه الفرضيّة؛ إذ أقدم على نقل الرّواية عن طريق آخر غير طريق الطّوسي، ولا يوجد في مضمونه المنقول ما يدلّ على وجود شخص ثالث في البين، لكن حيث إنّ خبراء الأسانيد في تلك المرحلة يعلمون عدم ادراك محمّد بن عيسى اليقطيني لعصر الرّضا “ع” فبادروا إلى إصلاحه دون ذكر اسم، [وإضافة “من خراسان” لتصحيح المضمون أيضاً]؛ وعلى هذا فإنّ حديث التّهذيب والاستبصار مرسل ومرفوع.
#وعلى أساس هذا التّصحيح بادر المرحوم البهبودي إلى طرح مجموعة أسئلة بغية الوصول إلى وجهة النّظر الّتي يُريد طرحها وهي عبارة عن:
#الأوّل: ما هو الدّاعي الذي يدعو أبا الحسن الرّضا “ع” إلى إرسال مئات من الدّنانير الذّهبيّة إلى عيسى بن عبيد وأخيه موسى بن عبيد ويونس بن عبد الرّحمن مولاهم والّذين هم من أسرة عليّ بن يقطين المتوفّى سنة: “180هـ أو 182هـ” كي يُقدموا إلى الحجّ من بغداد، مع إنّ هناك علويّين أحوج لذلك في عهده “ع”؟!
#الثّاني: من هم العلويّون الأقرباء للرّضا “ع” من سكنة بغداد والّذين ينبغي تقديم مبلغ مالي لهم بعنوان صلة الرّحم مثلاً كما جاء في الرّواية؟!
#الثّالث: لماذا لم تُعدّ رحيمة في عداد زوجات الرّضا “ع”، ولماذا هي من سكنة بغداد أصلاً؟!
#الرّابع: لماذا لم يبادر الرّضا “ع” إلى تطليق زوجته مباشرة وجنح إلى توكيل شخص آخر بذلك مع إنّ طلاق الزّوجة في حالة السّفر لا إشكال فيه؟!
#الخامس: هل إنّ تقديم ثلاثمائة دينار ذهبيّة بعنوان متعة الطّلاق تتناسب مع طبيعة زهده “ع”؟!
#السّادس: إذا كانت المرأة ذات النّسب الشّريف تتقاضى مبلغاً قدره ثلاثمائة دينار من ذهب بعد طلاقها بغية تأمين احتياجاتها فكم هي المبالغ الّتي كانت تتقاضها في أثناء حياتها الزّوجيّة لمأكلها ومشربها مثلاً؟!
#ووفقاً لهذه الأسئلة والاستيضاحات الجادّة والموضوعيّة ـ بغضّ الطّرف عن مذهبيّة بعضها ـ احتمل المرحوم البهبوديّ احتمالاً راجحاً وبقرينة رواية كامل الزّيارات أن يكون سند الرّواية بالنّحو التّالي: «محمّد بن أحمد بن يحيى [صاحب نوادر الحكمة]، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ، عن عيسى بن عبيد، قال: بعث إليّ أبو الحسن…»، والمقصود من أبي الحسن هنا هو عليّ بن يقطين جدّهم المتوفّى سنة: “180هـ أو 182هـ”، لا الرّضا “ع”، وإنّ رحيمة الّتي ورد الأمر بتطليقها هي زوجة عليّ بن يقطين أمّ ولده الحسين، وذلك للشّواهد التّالية:
#الأوّل: روى الطّوسي في كتابه الغيبة عن محمّد بن عيسى بن سعيد بن عبيد ـ وهو الرّاوي محلّ البحث ـ إنّه قال: «أخبرتني “رحيمة” أمّ ولد [ولده] الحسين بن عليّ بن يقطين، وكانت امرأة حرّة فاضلة قد حجّت نيّفاً وعشرين حجّة، عن سعيد مولى أبي الحسن [الكاظم] “ع” وكان يخدمه في الحبس ويختلف في حوائجه: أنّه حضره حين مات كما يموت النّاس، من قوّة إلى ضعف إلى أن قضى “ع”». [الغيبة: ص24].
#الثّاني: روى الكشّي عن أستاذه محمّد بن مسعود العياشي عن ابن الفيروزان القمّي نقلاً عن محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين ـ وهو الرّاوي محلّ البحث ـ قوله: «وزعمت رحيمة أنّها قالت لأبي الحسن الثّاني “ع”: ادع لعلي بن يقطين، فقال: قد كفي علي بن يقطين». [ج2، ص734].
#الثّالث: انحصرت روايات استنابة الحجّ عن الحيّ بنحو الاستئجار ودفع تكاليف السّفر بعليّ بن يقطين فقط، وفي جميع الموارد نجد إنّ ناقلها هو محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين ابن أخّ عليّ بن يقطين؛ حيث قام بنقل هذه النّصوص الرّوائيّة في كتابه الرّجال وهو بصدد المدح والتّمجيد بأفراد أسرته من آل يقطين، وفي رجال الكشّي نصوص وافرة تنصّ على دفع ابن يقطين مبالغ ضخمة إلى مئة ومئة وخمسين شخصاً وأحياناً حتّى ثلاثمائة شخص من كبار الشّيعة للذّهاب نيابة عنه إلى الحجّ والدّعاء له بالمغفرة باعتباره يعمل في ضمن البلاط العبّاسي، ومن ضمن هؤلاء الفقهاء الّذين استنابوا عنه هو يونس بن عبد الرّحمن مولاه والّذي كان اسمه ضمن الأشخاص الّذين ينبغي أن تُقسّم عليهم المئة دينار المُرسلة من أبي حسن للحجّ النّيابي.
#وعلى هذا الأساس قرّر البهبودي قائلاً: الواضح والمقطوع به إنّ الحديث في التّهذيب والاستبصار وارد في شأن أبي الحسن عليّ بن يقطين، لكن حيث إنّ نقلته الأوائل من قبيل صاحب نوادر الحكمة تصوّروا بسبب قراءتهم السّاذجة ومحاكمتهم السّريعة إنّه الرّضا “ع” إمام الشّيعة، فقاموا بنقل الحديث من كتاب الرّجال لمحمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين إلى الكتب الفقهيّة والجوامع الحديثيّة وصولاً إلى كامل الزّيارات لإبن قولويه والتّهذيب والاستبصار للطّوسي، فقام بعضهم من باب حسن نيّتهم ولأجل الإيضاح والتّوجيه بإضافة كلمة الرّضا للرّواية [وإضافة “من خراسان” أيضاً]، مع إنّا نجد إنّ الرّواية خالية من الرّضا في الاستبصار رغم إنّه ملخّص ومستخرج من التّهذيب، وخالية من “خراسان” في التّهذيبين، فتأمّل. [يُتبع].
#ميثاق_العسر